الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شعوب وأعراق تتحوّل كنياتها للهزءوالذم والتجريم

بواسطة azzaman

المادان والأمازيغ والهنود الحمر

شعوب وأعراق تتحوّل كنياتها للهزءوالذم والتجريم

هند النعيمي

 

هناك العديد من الكنايات التي إعتاد الكثيرون إستخدامها في ذم شعب أو عرق من الأعراق، بوعي ومعرفة أو عن جهل وغباء، وأشهر تلك الأقوام محليا هم المادان (المعدان)، ووهناك على المستوى العالمي، الأمازيغ (البربر) والهنود الحمر (سكان أميركا الأصليين).

سنحاول في عرضنا الموجز هذا، تقديم بعض التفصيلات عن أسباب إطلاق هذه الكنى، وبداياتها ومن يقف وراءها.

المعدان: والإسم التاريخي الصحيح هو (المادان)، وهم من أعرق سلالات بلاد ما بين النهرين على الأطلاق، ويشكلون جزءا أصيلا ومهما من سكان أور وسومر وأكد وحضاراتها.

كان العراق وفي فترات متتالية من التاريخ عرضة لهجرة وغزوات القبائل العربية القادمة من الجزيرة العربية، والتي ظلت متمسكة بعاداتها وأعرافها البدوية، وكثيرا من تلك القبائل إستوطنت العراق وإستقرت فيه، وكان آخر وأكبر تلك الموجات قد دخلت العراق في العام 1850، ومعروف أن واحدة من أعراف تلك القبائل هي الإعتماد على الغزو كوسيلة وحيدة للعيش والبقاء، وتعده عرفا ورمزا للشجاعة والفروسية، فهم يأنفون من العمل، ويهجون ويستخفون بل ويحتقرون من يحترف حرفة أو عملا، إن كان ذلك في الزراعة أو الصناعة وغيرها، ولما كانت سلالة المادان قد ظلت محافظة على إرثها في ملازمة الأنهر والأهوار، وتعتمد في حياتها وعيشها على الزراعة وتربية الحيوانات، فقد أصبحوا موضع هزء وتحقير من قبل القبائل البدوية الغازية، وأصبحت كنية (المعدان) تستخدم كدلالة على الوضاعة والدونية، حتى شاعت وإنتشرت بين العراقيين منذ الحين كوصف للذم، بل وتحوَّلت هذه الدلالة مع مرور الزمن الى وصفٍ للمتخلف والغبي والجاهل. وأصبح جميعنا يردده اليوم دون دراية وفهم للأسف الشديد.

شعوب أصلية

الأمازيغ (البربر): وهم من الشعوب الأصيلة لسكان شمال أفريقيا، إبتداء من غرب ليبيا وحتى المغرب، وكان الأمازيغ في بداية المد الإسلامي يشكلون قوام الجيوش الإسلامية التي إستعمرت شبه جزيرة إيبيريا (إسبانيا البرتغال) وإحتلت أجزاء من فرنسا، وقد إشتهروا بالشجاعة والقسوة المفرطة في الحروب التي خاضوها، وقد ذاقت شعوب جنوب أوروبا الأمرين ولسنوات غير قليلة، من صلابة وشراسة الأمازيغ (البربر)، ولا يفوتنا هنا أن نذكر، واحدة من مفارقات التاريخ الحديث، أن الفرنسيين أنفسهم قد إعتمدوا إبان الحرب العالمية الثانية، على فيلق كامل من الأمازيغ المغاربة والجزائريين في حربهم لتحرير وطنهم من الاحتلال الألماني.

ولأن البربر قد إشتهروا بالبسالة والشجاعة الفائقة في الحروب، فقد كانت الجيوش الأوروبية تهرب أمامهم وتتجنب مواجهتهم لشراستهم، حتى أصبح لفظ (بربري) ملازم لوصف أي هجوم عنيف أو أية قوات تتصف بالشراسة والقسوة، وقد شاع بعد ذلك الوصف (بربري) في الأخبار والأدبيات على مستوى العالم، كوصف سيء مرتبط بالهمجية.

أما وجه الحقيقة في هذا، أن التاريخ الأمازيغي قد ترك لنا إرثا ضخما من الأمجاد، ومن بطونهم خرج قادة تاريخيين مشهورين، أبرزهم هانيبال وطارق بن زياد، الى جانب علماء وفقهاء وفلاسفة، بينهم الفيلسوف والطبيب الأشهر إبن رشد.

ونذكر هنا، أن الشاعر نزار قباني كان قد إستخدم في إحدى قصائده منتصف السبعينيات، كنية (البرابرة) كوصف للهمجية، فكتبت له إحدى الأكاديميات المغربيات محتجة على ذلك، وبيّنت له صفات ومكارم الأمازيغ وحضارتهم، فإضطر قباني إكراما لها كتابة مقال في مجلة الأسبوع العربي اللبنانية يعتذر به عن هذا الخطأ، ويحذف لفظ (البرابرة) من قصيدته، بل وأقسم إلا يستخدم هذا اللفظ والوصف بعد اليوم إطلاقا!

الهنود الحمر: وهم كما هو معروف السكان الأصليين لأميركا، وعندما أقدم المستعمرون الأوربيون لغزو أراضيهم، نشبت معارك وحروب لسنوات طويلة، بين المستعمِرين الأوربيين والهنود الحمر أصحاب الأرض، فتفتق ذهن الغزاة عن إختيار تسمية (الوحوش) يوصمون به الهنود الحمر، وقد شاع هذا الوصف في كل مكان من العالم، بعد أن أنفقت الماكينات الاعلامية للمستعمِرين أموالاً ضخمة، لرسم صورة مشوهة لسكان أميركا الاصليين (الهنود الحمر)، عبر القصص والحكايات الشعبية، توجتها فيما بعد بأعداد كبيرة من الأفلام السينمائية، حتى أصبحت كلمة (وحوش) مصطلح شائع ومتداول عالميا، وقد وصل إلينا للأسف الشديد هذا الوصف وهذه الصورة عبر تلك الأعداد الكبيرة من الأفلام السينمائية، وأصبح جميعنا ولسنوات طويلة نطلق كلمة (وحوش) على الهنود الحمر.

خطأ جسيم

ونحن إذ نكتب ذلك، فإنما نوضّح ونذكَّر كل من يقع في هذا الخطأ الجسيم، أن يتجنَّب الوقوع بمثل هذه الأخطاء، ويتوّقف عن إستخدام كنى وأسماء أمم وأقوام وبلدان معينة كصيغة ذم أو سخرية، مثلما كنا وما نزلنا نطلق وصف (هندي) على الجاهل والمتخلّف، ويقال أن إستخدام هذه الكنية يعود الى بداية القرن الماضي، عندما إحتلت بريطانيا العراق، فقد كان جُلَّ قوات الجيش البريطاني من الهنود، (كانت الهند يومذاك إحدى مستعمرات إمبراطورية بريطانيا العظمى وتخضع للتاج البريطاني)، ومن طبائع الشعوب أن تكون العلاقة بين المستعمِر المحتل وبين الشعب المستعمَر قائمة على النديّة والضديّة والكراهية، فشاع بين العراقيين إستخدام اللفظ (هندي) للإساءة لتلك القوات، ورغم تبدل الأحوال وإستقلال العراق وتقادم السنين، إلا أن العراقيين ما زالوا يستخدمون اللفظ (هندي) لوصف كل متخلف وجاهل، ومن مفارقات الجهالة أن رئيس جمهورية العراق الأسبق عبد السلام عارف كان قد ردد في إحدى خطبه الإرتجالية (شافونا سود عبالهم إحنا هنود)، وهو بهذا يوصم الشعب الهندي بالجهل والتخلف والغباء، برغم مكانة الهند العالمية كإحدى أرفع بلدان العالم تقدما في مجالات الصناعة والعلوم والمعارف والتقنيات الحديثة.

وننوه ختاما، أن إستخدام مثل هذه النعوت والأوصاف ليست معيبة ومسيئة وحسب، بل هي باب من أبواب التعصّب والعنصرية المقيتة.

جنبنا الله وإياكم شرهما.


مشاهدات 44
الكاتب هند النعيمي
أضيف 2025/12/21 - 6:34 PM
آخر تحديث 2025/12/22 - 12:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 7 الشهر 15923 الكلي 12999828
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير