الخسارة بطعم الفوز .. بدعة الخائبين
محمد خضير الانباري
يكاد يمكنُ وصفَ الشعبِ العراقيِ بأنهُ متيمٌ ومتلهفٌ ب (الطوبةُ ) ، كما تسمى شعبيا، لا بكرةَ القدمِ فقط، ولهذا العشقِ تاريخ عريقٍ تمتدُ جذورهُ لأكثرَ منْ مائةِ عام، منذُ أنْ وصلتْ كرةَ القدمِ إلى العراقِ في بداياتِ القرنِ العشرين،- وتحديدا- بينَ عاميْ 1912 و 1915، على يدِ عائلاتٍ عراقيةٍ عادتْ منْ دراستها في تركيا، لكنَ أولَ مباراةِ منظمةٍ أقيمتْ في بغدادَ عامَ 1918، وبدأَ التنظيمُ الفعليُ وتأسيسُ الأنديةِ والمنتخباتِ في أربعينياتَ وخمسينياتِ القرنِ نفسه، معَ تأسيسِ اتحادِ اللعبةِ عامَ 1948 وانضمامهُ للفيفا عامٍ 1950.
أنا لستِ بصددِ الخوضِ في التاريخِ البعيدِ لكرةِ القدمِ العراقية، بلْ أقفزُ مباشرةِ إلى مباراةِ منتخبنا العراقيِ الأخيرةِ معَ شقيقهِ الأردني، ضمنَ تصفياتِ كأسِ العرب، حيثُ تتحولُ المنافسةُ في كرةِ القدمِ إلى صراعِ تفوقٍ وبطولة، وتسقطَ كلُ عباراتِ المجاملةِ، التي لا نحبذها أصلاً في مثلٍ هذهِ اللحظات. فهذهِ هيَ كرةُ القدم: حبٌ شعبويٌ ديكتاتوريٌ فرديٌ متسلط، لا يقبلُ الشريكُ في الفوز، مثلما لا تقبل المرأةَ شريكا لها في زوجها، حتى لوْ كتبتْ الشراكةُ في السماءِ والأرض إنها معبودةٌ الصغارِ والكبار، الأغنياءُ والفقراء، النساءُ والرجال؛ الملوكُ والعموم، ساحرةٌ مسحورة، تفرضَ سلطانها على القلوبِ جميعا.
إنَ أداءَ منتخبنا العراقي أمامَ المنتخبِ الأردنيِ كانَ مشرفا، وترفعَ لهُ القبعات الغربيةُ والعقلُ العربية، كانَ الفريق العراقي ، يستحقُ الفوزُ بجدارةِ ودرجةِ أعلى منْ مجردِ التشريف، لكنَ الحقيقةَ التي لا يمكنُ تجاوزها مطلقا ، هيَ أنَ الفوزَ كانَ منْ نصيبِ أبناء عمومتنا النشامى، فألفَ مبارك للأردن ولشعبه الشقيق، وبالنتيجةِ هدف مقابلَ صفر، وهذهِ حقيقةٌ لا تقبلُ الجدلَ.
أنا لستُ محللاً فنيا لأفصلَ الجوانبَ التكتيكية، فأنا مجردُ عاشقٍ ومتابعٍ لكرةِ القدمِ منذُ أكثرَ منْ خمسينَ عاما. أنا معاتب يا شبابنا، ويا عدنانا...! فقدْ خذلتمونا نحن الأربعون مليونَ عاشق، تركتمونا بينَ باكٍ متحسر، ومقهورٌ متوتر، ومريض أنهكهُ الألم. لقدْ رفعتمْ السكر، وضغطَ الدمِ لمرضانا، وقدْ أسقطتني خسارةُ فريقي العراقيِ على سريرِ المرض لأيام عدة، ولولا استماعي لتلاوةِ القارئِ (عبدَ الباسطْ عبدَ الصمد)، وإدخالَ الصوتِ الرحماني إلى بصيلاتِ قلبيٍ وشعيراتِ دماغي، واستعانتي بالصبرِ على المصائب، لكنتُ اليومُ في مشفى اليرموكَ التعليميَ أوْ في مقبرةِ السلام.
هذِهِ هي كرةُ القدمِ اللعينةُ؛ تُوجِعُكَ ثم تمضي. ثم تأتون أنتم، يا محلّلي برنامج (الكأس)، يا سيّد خالد الجاسم ومن معك، لتقنعونا أن خسارة المنتخب العراقي كانت ( بطعم الفوز)؛ لأن الفريق العراقي قدّم جهدًا كبيرًا ، وفرض سيطرته على المباراة بنسبة (79٪)، كأنكم تريدون تضميد جراحنا بأرقام باردة.
فَعُذرًا لكم، نحن نرفض هذه المجاملة، وأقولها صريحةً: كلا وألفُ كلا. لقد خسرنا، وبئسَ لكلّ من كان سببًا في إسقاط هذا الحلم عن صهوته، عمدًا أو غفلةً أو بؤسًا.
هنا تحبس الدموع أنفاسها، وتسكن العبرات في المقل، ولا نملك، إلا أن نستحضر قول الله تعالى( قُل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) صدق الله العظيم. ) التوبة: 51.).