عطر
هدى جاسم
كل العطورلا تشبه عطر الامهات .. وكل اصوات الموسيقى لا تعادل نداء واحد من صوت الامهات ولا عبير الشذى وهو يرافق كلماتنا عند دخولنا البيت وباعلى صوتنا نقول « هايمة شنو طابخة اليوم؟».. لا تسمع منهن غير كلمات خير من الله في احلك الظروف واصعبها.. رائحة طعامهن تفوح عند جدران البيوت القريبة وهن يقاسمن ما انعم الله به على عائلتهن بمحبة تفوق ما نسمعه في الحكايات ..
كانت امهاتنا يصنعن الخبز ليفيض خيره على كل من مر في الطريق وكأن كل المارة اولادها وبناتها ،يكرمن الضيف ويودعنهم بالخيرات والامنيات بزيارة اقرب من القلب ، قبل ايام كنا في مجلس عزاء في منطقة ريفية عند اطراف بغداد كل المتواجدين في المجلس تذكروا تلك السيدة التي فتحت بيتها للدارسين القادمين من تلك الاطراف من الاقارب والاهل وحتى الذين حصلوا على وظائف في العاصمة وبيوتهم بعيدة كان بيت « ام حميد « بيتا للجميع وملاذا لكل محتاج لمكان يسكن فيه حتى يكمل دراسته او مهمته الوظيفية ، كانت وزوجها كما ورد في حكايات العزاء الذي تحول لاستذكار لهما يفتحون بيتهم الذي يضم اسرة مكونة من اثنا عشر فردا يضاف لهم حوالي عشرة افراد ضيوف ودارسين وموظفين ، ولا ننسى ضيوف ايام العطل وايام الجمع الذين يزيدون عن الثلاثين .
بيت هذه الاسرة لم يكن كبيرا ليضم كل هؤلاء لكن « الهلة والمرحبا « تزيده اتساعا وتتسع معه قيمة راتب رب الاسرة المكون من 50 دينارا لاغير في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، لم يخل البيت من الارزاق والقدور لم تهبط على الارض وتنور الطين في كل ساعة له حكاية مع خبز لا يتكرر .
مالذي منح تلك العائلة كل هذا العطاء بلا مقابل وكيف اتسع الرزق وهو محدود لموظف بسيط كان عمره ايضا بسيطا ليرحل وهو في ريعان شبابه ترك عائلته بنفس الباب المفتوح لكل من يريد ان يكون جزء» من تلك العائلة حتى يكمل مشواره ؟ الاسئلة كثيرة لكن الكرم هو الجواب لكل سؤال فمن كرم الله على تلك العائلة وخصوصا الام ان تبقى يدها مفتوحة ومرحبة بكل وافد لها من اي مكان وكان احد ابنائها جاء ليكمل مشوار حياته معهم .
الكرم ليس في العطاء المادي فقط بل الكلمة الطيبة وابتسامة الترحاب ورائحة الخبز الذي ما ان انقطعت رائحته من بيوتنا وكان انذار بقلة الرزق قد تحل في اية لحظة .
اصوات امهاتنا مازالت معلقة في كل ذكرياتنا وكرم ابائنا مازال عند ابواب بيوتنا يابى الدخول حتى يطمئن ان كل رزق دخل البيت للجار حق فيه ويجب ان يصل اليه ، لنتصور لو ان كل تلك الاحداث مازالت مستمرة في بيوتنا بكل التفاصيل ترى كيف ستكون احوالنا ؟، حتما سيفتح الله لنا كل باب مغلق وسيمنحنا خطوات نجاح بفضل الامتنان ممن اكمل مشواره بسبب الضيافة والكرم ، حتما صور كثيرة ستتغير وسنصنع عالم بلا صور مرعبة عن سيطرة الانانية والانا في حياتنا ونفتح ابواب امهاتنا من جديد ليمتلئ العالم بعطرهن الذي لايزول