صيف ديسمبر
سيف الجنابي
وكأن الفصول لم تعد تعترف بحدودها، ولم نعد نحن نعترف بما كنّا عليه.
فـ ديسمبر الذي كان يجمعنا حول المدافئ ويُشعل فينا حكاياتٍ لا تنتهي، صار يمرّ الآن كالهواء الساخن، لا نلمسه، لا يترك أثراً، ولا يعيد إلينا شيئاً ممّا كنّا ننتظره ذات يوم أصبح اليوم مرتعاً للغياب، لذكريات خارت، ولأشخاص لم تعد تقاسمنا لحظة فرح أو عزاء. المطر الذي اعتدناه بلناً للنفس، صار مرآةً لآلامٍ مجهولة، يُسقط معها أسماءً ومشاهد من الماضي. الزينة التي كانت تضيء قلوبنا بالأمل والحنين، تلاشت في زحمة الأيام، والأغاني التي كانت تصدح بدفء اشتياق، صارت أصواتاً مهدّمة تعبر عن غياب. إنه ليس مجرد تقلب في المناخ، بل تعبيرٌ عن غياب الدفء الحقيقي ، دفء تحمله القلوب لا السماء.
فالفجر الذي كنا ننتظره مع بداية ديسمبر، بات اليوم شمساً بلا صوت، وفرحاً بلا روح.ومع ذلك، تبقى لدينا فرصة ، فرصة لنمنح هذا الشهر دفئاً جديداً. ليس دفء الأجواء، بل دفء القلوب التي تحتمل الذكريات، وتزرع نوراً حيث اعتدنا أن يذبل كل شيء.ديسمبر إذا عاد علينا يوماً، فليكن شتاءً في القلب قبل أن يكون في السماء .