قياس العلّة

عدنان الدوسري

ليس كل ما يطرحه الروائي أو الصحفي أو القاص، ولا حتى ما تبثّه المسلسلات الدرامية، حقيقةً تُقاس عليها أحوال المجتمع أو تُتَّخذ نموذجًا لواقعه.

فكثيرٌ منهم يدفعنا – عن قصد أو دون قصد – إلى التعاطف مع المسيء، ويجرّنا آخرون نحو تبرير الرذيلة تحت لافتة الحرية، فيما يمنح بعضهم حق الانتقام لمن لا يملكه، متجاوزين سلطة القانون وهيبته.

إنّ ما يظهر في النصوص ليس سوى استنباطات فكرية تتشكّل عبر تراكمات الكاتب وثقافته، وما يعتمل في داخله من إرهاصات نفسية يحاول أن يُسقطها على الواقع، كأنّها حالة جمعية، بينما قد لا تكون إلا ظواهر نادرة، شاذة عن القاعدة، تُضخَّم ويتوسّع ضجيجها.

وحين يُركَّز الضوء على (القِلّة) ويُروَّج لها عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل، تُصنع في ذهن المتلقي صورةٌ مشوّهة، تمتدّ جذورها إلى العقل الباطن، وتتحول مع التكرار إلى أنماط بصرية وثقافية تتكاثر فيه شيئًا فشيئًا، حتى يغدو ما هو شاذٌّ مألوفًا، وما هو فرديٌّ عامًا، وما هو طارئٌ قاعدة.

وهنا يتباين أثر تلك الصور بين الناس وفق ما يحملونه من قيم، وما نشؤوا عليه من سلوك، وما تهيمن عليه بيئتهم من ثقافة.

ومع مرور الوقت، نجد أنفسنا نغذّي – بلا وعي – غولًا صغيرًا في داخل المجتمع، ليتضخم، ويتحوّل إلى سلوك جماعي، ثم نتساءل بدهشة: لماذا ترتفع نسب الطلاق؟ لماذا تتزايد معدلات الجريمة؟ ولماذا يتردّى النسيج الاجتماعي؟

إنّ إحدى الإجابات تكمن هنا… في فهم كيف تنشأ العلّة، وكيف تقاس.