الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
 حكاية التحوّل الهادئ من القاهرة إلى الرياض

بواسطة azzaman

حين تغيّرت قواعد اللعبة

 حكاية التحوّل الهادئ من القاهرة إلى الرياض

كامل الدليمي

 

في منتصف القرن العشرين، كانت القاهرة أشبه بقلبٍ نابض في الجسد العربي. صوتها يصل إلى أقصى الصحراء، وجيشها كان الرقم الأصعب في معادلات المنطقة. تخشى منها القوى الكبرى وتحسب لها العواصم المجاورة ألف حساب. يومها كان النفوذ يُقاس بعدد الجنود ومشهد العروض العسكرية، وكان ثقل الدولة يُرى في حجم المدافع لا في حجم الاستثمارات.لكن الزمن لا يبقى على حاله، والقوة لا تُورّث إلى الأبد. ومع دخول القرن الحادي والعشرين، بدأت رياح عالم جديد تهبّ على المنطقة. عالم تراجعت فيه قيمة الضخامة العسكرية، وصعدت فيه قوة من نوع آخر: اقتصاد قادر على الحركة، رؤية تتحدى المألوف، وجاذبية للاستثمار والتكنولوجيا.وفي هذه اللحظة تحديدًا، بدأت قصة التحوّل الهادئ.كانت السعودية، التي لطالما عُرفت بثقلها الاقتصادي والديني، تنظر حولها وترى العالم يتغير. النفط لم يعد ضمانًا أبديًا للقوة، والتكنولوجيا أصبحت بمثابة سلاحٍ غير مرئي. حينها جاءت رؤية 2030 كإعلان مبكّر لدخول المملكة عصرًا جديدًا. لم يكن المشهد مجرد مشاريع ضخمة أو مدن مستقبلية، بل كان تحوّلًا في طريقة فهم الدولة لذاتها ولدورها في العالم.

وبينما كانت مصر تواجه تحديات اقتصادية وضغوطًا مالية، كانت السعودية تبني طبقة جديدة من نفوذها:

نفوذ يعتمد على الاستثمار العابر للقارات، وعلى الحضور السياسي في الملفات الشائكة، وعلى القدرة على جمع المتخاصمين حول الطاولة. شيئًا فشيئًا، بدأت العيون – عربيًا ودوليًا – تتجه نحو الرياض كمركز ثقل جديد.

لم يكن الأمر إعلانًا رسميًا، بل كان أشبه بتحوّل تدريجي يحدث في صمت.

فالعالم بات يرى أن القرارات الكبرى في ملفات الطاقة، وسلام الشرق الأوسط، والاستثمارات العالمية، تمر من خلال السعودية.

والشركات العملاقة بدأت تتخذ من الرياض موطئ قدم لمشاريعها في المنطقة.

والدبلوماسية السعودية اكتسبت حضورًا جديدًا، صارخًا أحيانًا وهادئًا أحيانًا أخرى، لكنه فاعل في كل الأحوال.ومع ذلك، لم تتراجع القاهرة عن دورها. فمصر، رغم الأعباء، لا تزال تمتلك ما لا تملكه أي دولة عربية أخرى: عمقًا حضاريًا، جيشًا وطنيًا عريقًا، وقدرة تأثير ثقافي لا ينازعها فيها أحد. لكن العالم لم يعد يمنح القيادة لمن يمتلك العدد الأكبر من الجنود، بل لمن يمتلك القدرة على استخدام الأدوات الجديدة للقوة: التكنولوجيا، الاستثمارات، التحالفات المتشابكة، والموقع في الاقتصاد العالمي.

ولعل أجمل ما في المشهد أن التحول لم يكن خصمًا لطرف أو خصومة بين قوتين، بل كان انتقالًا طبيعيًا يعكس حركة التاريخ. فالسعودية اليوم تمسك بزمام القوة الاقتصادية والسياسية النوعية، ومصر تحتفظ بثقلها العسكري والثقافي، والإقليم يتجه نحو صيغة جديدة تتعدد فيها المراكز بدل مركز واحد.إنها قصة منطقة تعلّمت أن القوة لم تعد في صوت المدفع، بل في الصوت الذي يصنع المستقبل.وحين تغيّرت قواعد اللعبة، تغيّر معها مركز الثقل… لا ليُلغي أحدًا، بل ليفتح فصلًا جديدًا في كتاب القوة العربية .

 

 


مشاهدات 27
الكاتب كامل الدليمي
أضيف 2025/11/23 - 3:52 PM
آخر تحديث 2025/11/24 - 12:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 31 الشهر 17166 الكلي 12678669
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير