الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
والتحليل النقدي لقصة قرية اللقالق للقاص زيدان علي


والتحليل النقدي لقصة قرية اللقالق للقاص زيدان علي

علي البدر

 

1) القصة:

      قريةٌ نائيةٌ في دولة اوربية تكثرُ فيها اللقالق , تَبني بيوتَها فوق المنازل والاماكن المرتفعة سكانُ القريةِ يُحبونها ولا يُؤذونها   احست بالأمان كثيرا .

صارت تسيرُ في الشوارع والأزقة  .الناسُ  يُلاطفونَها  ويقدمون لها الطعامَ والشرابَ صارَ منظُرها مُلفتاً ومصدرَ سعادةٍ  للناسِ , كَثُرَ السواحُ لمشاهدتِها وهي تسير بحرية تامة .

فُتِحَت مطاعمُ وفنادقُ للسواحِ  والزوارِ .. نَشطت الحياةُ الاقتصاديةُ في القرية , وصارَ وجودُ اللقالق سبباً بازدهارِ القريةِ  .

لكنّ هناكَ مشكلةً تواجه اللقالق  .. اسلاكُ الكهرباء .. بعضُ اللقالق يصطدمُ بها فيسببَ لها الاذى  .

بلديةُ القرية طلبت من الحكومة المحلية  الغاءَ الاسلاك الكهربائية الظاهرة واستبدالها بأسلاك تحت الارض 

نُفذَ الطلبُ اكرما لعيونِ اللقالقِ .

2) التحليل النقدي:

     القصة تستعير لقالقَ لتروي حكاية الإنسان نفسه: الكائن الذي لا يملك قوةً مادية لكنه يمتلك قدرةً خفيّة على تحويل حضوره إلى معنى، إلى اقتصاد، إلى جمال. اللقلق هنا بطل بلا صوت، لكنه يمتلك أثراً يتجاوز حتى سكان القرية. هذه المفارقة تمنح النص طابعاً فلسفياً: ماهية القيمة لا تأتي من القوة بل من الحضور، من اللطف، من الجمال.

      وحين “أحسّت بالأمان كثيراً”، انفتحت الحياة. صارت اللقالق تتجوّل، والناس يقتربون منها، والسياح يأتون لرؤية هذه الحرية. النص هنا يوحي بأن الأمان ليس رفاهية بل شرط وجود؛ وعندما يتحقق، تنمو كل الأشياء: الفن، السياحة، الاقتصاد، العلاقة مع الطبيعة. وهذا معنى فلسفي  يوحي بأن الكائن الحرّ هو الذي يُنتج المعنى، ولو كان طائراً. الناس لم يحبّوا اللقالق لأنها مربحة، بل لأنها جزء من روح المكان. هذا الحب غير النفعي هو نفسه الذي خلق نهضة اقتصادية. هنا تلمح القصة إلى فكرة: كل ما نفعله بروح الجمال يعود علينا بالنفع، حتى لو لم يكن هذا الهدف. إنها فلسفة “النفع غير المقصود”.، حيث استجابت بلدية القرية لاحتياجات كائنٍ لا يصوّت، لا يحتج، ولا يملك سلطة. تستبدل الأسلاك الكهربائة حفاظاً على حياة اللقالق. هذا يعكس تطوراً حضارياً: المجتمع الأخلاقي هو الذي يغيّر بنيته من أجل أضعف أفراده. وهذا يشبه قول جان جاك روسو: “مقدار تحضّر الأمم يُقاس بكيفية تعاملها مع الضعفاء.”

    وبرأيي المتواضع فأن الأسلاك الكهربائية هنا رمزٌ مزدوج: أسلاك، كقدرٍ يهدد الحياة والتكنولوجيا تهدد الطبيعة لكن النص لا يطرح عداءً بينهما، بل اقتراحاً للتناغم: التقدم يمكن ترويضه بالوعي. الإنسان قادر على خلق توازن بين التكنولوجيا والبيئة. وأيضا يمكن قراءة اللقالق بوصفها رمزاً لـ الفرد المختلف: الذي يحتاج إلى مساحة آمنة. الذي إذا تُرك ينمو بحرّية سيمنح المجتمع معنى وجمالاً. ويمكن أيضاً قراءة القرية بوصفها نموذجاً لـ المدينة الفاضلة: تضع الجمال قبل الربح، ثم يأتي الربح من تلقاء نفسه.

   لغة النص بسيطة، وعتبة النص كشفت ثيمتها لكن فيها صفاء قصدي يجعلها شفافة. اختيار اللقلق تحديداً يفتح الباب لرموز عديدة:

اللقلق رمز للعودة، للهجرة، للانتماء المؤقت. رمز للولادة الجديدة في الأساطير الأوروبية. رمز للمسافر الذي يعود دائماً إلى المكان الآمن. وهذا يعمّق فكرة القصة: المكان الآمن يستعيد أبناءه، ولو كانوا طيوراً مهاجرة. هناك دروس مضمرة حاول القاص بلورتها بصورة غير مباشرة وذكية.

     وتناول اللقالق كرمز أخلاقي moral lesson يوحي بأن حماية الضعيف ترفع المجتمع. الجمال ليس ترفاً، بل قوة منتجة. الطبيعة ليست زينة، بل شريك في الوجود. الأمان يولّد حضارة. إنها قصة قصيرة تُخبّئ داخلها دستوراً أخلاقياً يخصّ علاقتنا مع المختلف والضعيف والطبيعة والسلطة والتقدم.

 

ناقد ادبي وتشكيلي


مشاهدات 31
الكاتب علي البدر
أضيف 2025/11/22 - 3:12 PM
آخر تحديث 2025/11/23 - 3:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 117 الشهر 16418 الكلي 12677921
الوقت الآن
الأحد 2025/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير