الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التبخيس وسلب الإرادة

بواسطة azzaman

التبخيس وسلب الإرادة

عدنان سمير دهيرب

 

ملامح سفح كرامة الانسان تأتي بأشكال متعددة من حيث الأسلوب والمعنى ، تستخدم من جهات مختلفة ذات سطوة ونفوذ ، لكي تفرض هيمنتها على الفرد أو الجماعة سواء بالمال وإستغلال طاقاته وحاجاته أو سلطات القوة المادية والروحية ، وذلك يتجسد بكلمات التبخيس التي تطلق على شرائح كبيرة من الناس مثل .. الرعاع ، الغوغاء ، الدهماء ، العوام ونحو ذلك ، لنزع الثقة بالنفوس  بهدف الاخضاع وفرض الطاعة للإشخاص وفئات تحمل صفات التعالي والوجاهة والمكانة منحت لنفسها تلك الصفات على المستوى الاجتماعي ، وإنتقلت الى الحقلين السياسي والحكومي . تلك التراتبية الهرمية لا تقوم على أساس الإنجاز والابتكار والتفوق العلمي والمبادرات الخلاقة ، وإنما بالتسلط لأسباب ذاتية وموضوعية منحتها القدرة على إخضاع الآخرين ، وفرض الطاعة لأفراد أصبحوا رموزاً في ظروف إستثنائية متصدعة ، ساندتها ثقافة متوارثة في اللاوعي الجمعي ، تعززها العائلة والمدرسة وأشكال السلطات المهيمنة في المجتمع . أدت الى سلب الإرادة مع إستمرار الانغلاق لأسباب عصبية قائمة على روابط الدم والقرابة والأيديولوجية التي تنتج الطغاة ، على سلوكيات الافراد في الواقع من الأعلى الى الأدنى لكي يُسقط ما يعاني على الأخرين ، لا سيما اذا ما توفرت ظروف الحاجة اليه .

تلك الثقافة السائدة لدى مختلف الشرائح والفئات ، لا يمكن أن تزاح مع دينامية إتفاق الفئات المتسلطة في عدم التخلي عن الصفات التي تحملها من ناحية والقبول الطوعي من الآخرين من ناحية أخرى مثلما يرى دولابويسي ( لا وجود للعبودية الاّ لأنها طوعية ) إذ تبقى تلك الثقافة نحو الخضوع والايمان كالقدر الذي مُنح هالة القدسية بوجوب الطاعة ، وإنشاء علاقة قائمة على التبعية ، ليتحول الانسان الى أداة عند الخصوم سواء باستخدام وسائل التواصل للتسقيط واتهامات التبخيس أو في العامل المادي كأدوات للعنف واستمرار الصراع لتجسيد الولاء للزعيم والقناعات الثابتة في اللاوعي ، بل تستخدم أيضاً ضد الخارجين عن تلك الهيمنة لكي يستمر الخوف من المجهول وعدم إنفراط عقدهم المزعــــوم

علاقات لاشعورية

ويؤكد المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه : إن العلاقات اللاشعورية تبقى قائمة وفاعلة ، رغم ما يطرأ على بنية المجتمع الفوقية من تغيرات ، فالنعرات العشائرية القبلية ، والتعصب الطائفي أو الأثني والعرقي ، والطموح الى الغلبة والحصول على المغانم تبقى نشطة أو تكون كامنة في كيان الجماعات . ونرى أن تغيير شكل النظام السياسي وما يحمل من قيم الحرية وحقوق الانسان والمساواة ، وطرح خطابات متنوعة وخلافية متعددة في وسائل الاعلام وغيرها من متغيرات في البنية الفوقية لم يصل الى التأثير أو تغيير ثقافة المجتمع إزاء قيم النظام الجديد . وإنما أسهمت في تكريس الثقافة الموروثة ، ويتجلى ذلك في الخطابات الانقسامية والتمسك بالطائفية والعرقية والعشائرية للجهات المتنفذة في المشهدين الاجتماعي والسياسي واذا ما حاولت فئات وشرائح واعية بتنفيذ فعاليات تهدف الى الإصلاح ، تتهم بصفات التبخيس مع إضافة إتهامات العمالة والتخوين الذي يدفع تلك السلطات المتنفذة الى القمع والقتل .

فالدول التي شهدت متغيرات في البنى الاجتماعية والسياسية ، بدأت فكرياً في تغيير ثقافة ظلت لاصقة في العقول ، ذلك التحول التدريجي مع توفر الإرادة والحرية ، أنتج واقعاً جديداً أصبح سائداً في دول العالم مع التباين في مستوى التطبيق . إذ لا يمكن تحقيق المثالية مع تداخل المصالح السياسية ، غير إنها تحقق قدراً كبيراً من القوانين والمؤسسات التي تحصن كرامة الانسان .

إن ما جرى ويحصل إثر التغير الصادم من نظام دكتاتوري إلغائي وصف بالقمع والكبت والاعتقالات الى نظام يحمل مبادئ خلاف النظام السابق ، مع استمرار ذات الثقافة الموروثة الراسخة في اللاوعي ، يعيد إنتاج تلك الثقافة مع إضافة صفات ثأرية على الآخرين ، وقد تجلى ذلك في سلوك وأساليب قسم من اللذين عانوا الحرمان والاقصاء ليقوم بتفريغها على الجمهور بأشكال مختلفة بعد إستلامه السلطة ، بوسائل يسيرة تتمثل بالخضوع للزعيم الذي أنتجه الواقع الجديد ، وتجسيداً لثقافته المتراكمة في عملية الخضوع والطاعة والولاء ، من أجل إرتقاء سلم السلطة لتفريغ الرواسب المليئة بالقهر والتهميش من الماضي . لا سيما من أبناء الريف لإمتلاكهم الخزان البشري القائم على العصبية ووجدوا في الانتخابات فرصة سانحة للدخول في ميدان السياسة التي توفر السلطة والمال والوجاهة التي يعاني من الظمأ اليها .

والثابت أن تجارب الشعوب التي عاشت الاستبداد السياسي والديني على مدى قرون تخلصت بالثورات الفكرية والصناعية والعلمية والاندماج المجتمعي ، إثر خلاصها من اليقينيات التي دحضت بالعلم والإرادة والحرية مع دعم المبادرات والابتكارات والمنجزات وزرع الثقة لدى الانسان دون إطلاق الصفات التبخيسية التي تقلل من شأن وكرامة الانسان .

 

 


مشاهدات 22
الكاتب عدنان سمير دهيرب
أضيف 2025/11/19 - 5:29 PM
آخر تحديث 2025/11/20 - 12:22 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 55 الشهر 14168 الكلي 12575671
الوقت الآن
الخميس 2025/11/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير