الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المنصور مؤسس دار السلام عاصمة الدولة العباسية


المنصور مؤسس دار السلام عاصمة الدولة العباسية

مسلم عوينة

 

كتبَ أحد الأخوان « من يقول إن من أنشأ بغداد هو المنصور فإنه يخالف الحقيقة والتاريخ ، فإن أقدم ذِكْر لمدينة بغداد يرجع لنقش على حجر كودورو ، بابلي لما يزيد عن 3700 سنة حيث ورد اسم بغداد في أكثر من وثيقة بابلية يعود أغلبها الى عصر الملك البابلي حمورابي بحدود العام 1700 قبل الميلاد حيث ورد الإسم بالكتابة المسمارية بصيغتين هما بكدادو ، وبكدانا «

 لكن وجود هاتين الصيغتين لا يدل على مدينة حضرية قائمة بهذا الإسم أو ذاك وإنما يُذكَر أنها منطقة زراعية واسعة تمتد على ضفتي دجلة انتشرت فيها الأرياف ومجموعة كبيرة من القرى وقد اعتمد المزارعون فيها على نهر دجلة في نقل حاصلاتهم وتوريد احتياجاتهم ، وأقول إنني لستُ ممّن لهم صلة بكتابة التاريخ لكن شأني كشأن القرّاء الآخرين أبدي ملاحظاتي على ما قرأت .. و من المعلوم أنّ واجب من يتناول موضوعا تاريخيّاً، توخّي الدقة التامة في نقل الموضوع ، أو إبداء وجهة النظر  ومِن غير ذلك تتعرض الحقائق التاريخية للتشويه والطمس و الضياع .. ولم يسبق ورود إنكار لدى المتبحرين بالتاريخ لما قيل عن قيام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بتأسيس وبناء المدينة المدورة التي أَطلق عليها اسم (دار السلام)  ، و ليس هناك خلاف حول وجود اسم بغداد ، قبل ظهور المنصور ، ويروى  أنه  ظهر في أيام السيطرة الفارسية وقد أُطلق على إحدى  القرى في تلك المنطقة  ، و كان الفرس يقيمون فيها سوقاً سنوية عظيمة يجتمع فيها التجار لتحقيق أغراض ومصالح تجارية فيما بينهم ، وقد ذُكِر أمر هذه السوق للمثنى بن حارثة الشيباني بعد الفتح الإسلامي لأرض السواد فقصدها لإستجلاء واقعها ، ممّا يُثبِتُ وجود اسم بغداد قبل الفتح الإسلامي .

ولم يقلْ المنصور إنه سيبني بغداد بل تفحّص هذا الموقع فوجده ملائماً  من وجهة النظر العسكرية ، ويُروى أنه قال  « هذا موضع معسكرٍ صالح « وأيّد مستشاروه رأيه وقالوا له « أنت بين أنهار ، لا يصل اليك عدوّك إلّا على جسر أو قنطرة فإذا قطعت الجسر  وخرّبت القناطر يتعرقل وصوله اليك وتتوفر لديك فرصة ضربه ، وأنت بين دجلة والفرات  لم يجئْك أحدٌ من المشرق والمغرب إلّا احتاج الى العبور ، وأنت متوسّط بين البصرة وواسط والكوفة والموصل والسواد كلّه ، وأنت قريب من البر والبحر والجبل « وعزم المنصور على بناء مدينة مدوّرة ، فأحضر المهندسين  وأهل المعرفة بالبناء والمعمار والتشييد ثم جلب النجارين والحدادين والحفارين ، وحينما تكامل عنده الكادر المطلوب لكل جوانب البناء كلّف المهندس العربي ( الحجاج بن أرطأة ) برسم خارطتها، وقد تمّ تخطيط الخارطة بالرماد ووُضِعتْ على المخطط كرات من القطن وصُبّ عليها الزيت وأُحرِقتْ فبرز شكل المدينة المدورة واضحاً للعيان .

مدينة المنصور

اشتهرت مدينة المنصور بشكلها الدائري و ببنائها الذي اعتُبِر مثالاً لأقوى المدن المحصّنة في تلك الأيام . وقد تشكّل مخططها من خندق واسع وعميق يليه سوران عظيمان يحيطان بأبنية المدينة وأحيائها السكنية ولم تُعرَف في عصرها مدينة مدوّرة غيرها ،  وقد تجلّتْ فيها عظَمَة الدولة العباسية في أدوارها الأولى . ويروي البعض أنّ تصميمها كان يحاكي تصميم بناء مدينة الحضر المدورة في عصرها ، كما يُروى أنّ مدينة مأرب في اليمن كانت مدورة  أيضاً ، لكن مدينة المنصور تميّزتْ بشكلها في العصر الذي أُنشِأت فيه من حيث الضخامة والجهود الجبارة التي بُذِلَتْ في إنشائها  وأطلق عليها أبو جعفر المنصور إسم ( دار السلام ) ولم يذكُرْ أحدٌ أنه سمّاها بغداد ، وقد تعددت أسماؤها - دار السلام ، المدينة المدوّرة ، مدينة المنصور ، الزوراء ، بغداد ، وانسحب الإسم الأخير عليها ولم تُعرَفْ بغيره فيما بعد . ولم يختلف أحد على أنّ اسم بغداد كان معروفاً ومتداولاً  قبل تأسيس دار السلام ، كما لم يختلف أحدٌ على أنّ مؤسس وباني ( دار السلام ) المدينة المدورة هو أبو جعفر المنصور .

 وقد ورد ذلك في اٌلأحاديث الإذاعية للمرحوم الدكتور مصطفى جواد وكتاباته ، وهو العارف بالدقة والتفصيل بالتاريخ العباسي . و  يُفترض بمَن يريد أنْ يكتب في التاريخ توخى الدقّة والحياد والإنصاف ، وبصرف النظر عن تصرفهم مع المعارضة والخصوم فإنَ المنصور والرشيد والمأمون وأمثالهم كانوا قادةً عظاماً لدولة عظيمة في عالم تلك الأيام ، هي الدولة العبّاسية .

 

 


مشاهدات 41
الكاتب مسلم عوينة
أضيف 2025/11/14 - 11:34 PM
آخر تحديث 2025/11/15 - 1:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 87 الشهر 10393 الكلي 12571896
الوقت الآن
السبت 2025/11/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير