اقتصاد السمعة: حين يتحول الكرم إلى استثمار اجتماعي

دهام العزاوي

اقتصاد السمعة هو نظرية اقتصادية ابتدعها المفكر السعودي المختص بالتراث د. سعد ضويان،  ونوه اليها الكاتب القطري الالمعي نايف بن نهار وسلط عليها الضوء في مجتمعنا الدكتور المتميز عماد عبد اللطيف في العديد من المقالات التي تنتقد ظاهرة الاسراف المبالغ فيه في مجتمعنا بدعوى الكرم. غاية نظرية اقتصاد السمعة تحليل ظاهرة الكرم في مجتمعاتنا العربية، فهذا الكرم المبالغ فيه والولائم الكبيرة في المناسبات المفرحة والمترحة، هو لاجل السمعة والوجاهة واحتلال المكانة الاجتماعية التي يسعى اليها الكريم، فما يهم الكريم هو ان يذهب الناس ليتحدثوا عنه وبالتالي فالموضوع متعلق بالوجاهة والشهرة، ولاحقا مكانة وظيفية او مركزا سياسيا بترشيحه للانتخابات او الحصول على مركز حكومي مرموق يدر عليه ريعا اقتصاديا وفيرا، وبغض النظر عن طموحات الشخص الكريم، فيقينا ان هذا النوع من الاقتصاد الذي يعتاش عليه مئات الاف المواطنين في ولائم الانتخابات، والمناسبات الاجتماعية، لايوجد الا في مجتمعاتنا، حيث تسود قيم القبيلة ومعاني الشهامة الزائفة المتمثلة بتقديم الاطعمة والاشربة، فلا يوجد هذا النوع من الاقتصاد خارج اسوار هذه المنطقة المليئة بعادات الجاهلية الاولى. لقد زرت كوريا الجنوبية في دورة تدريبية في 2018، فدهشت لمستوى التقدم العلمي وتوظيف التكنلوجيا لخدمة الانسان ورفاهيته، واذهلني كيف ان صناديق جمع النفايات امام البنايات السكنية، قد حددت لكل عائلة ثلاث كيلوات من الزبالة، ومن يتجاوز هذا الحد فان الصندوق يعطي اشعارا للبلدية كي تفرض عليه غرامة، وفلسفة ذلك ان كوريا الجنوبية هي بلد شحيح الموارد ومساحة الزراعة فيها محدودة، فلايجب الاسراف في الاكل ولا ان تأخذ العائلة راحتها في تبذير الاكل ورميه في سلة القمامة كما تفعل كثير من عوائلنا. لقد وجد القانون لتيسير حياة الناس وتقنينها عبر قوة الالزام، وبالتالي ان الاوان لوقف هذه الظاهر الاجتماعية السيئة بتوظيف الاكل في المناسبات الاجتماعية والسياسية، وتوجيه هذه الاموال باتجاهات تخدم تنمية المجتمع، عبر دعم الفقراء والطلبة المحتاجين ودور الايتام وكبار السن، وتعمير المناطق الهشة بخدمات الماء والصرف الصحي والتعليم ومكافحة الفقر. ان الكرم قيمة نبيلة طالما يكون وسيلة للتكافل، لكنه حين يتحول إلى مظهر للوجاهة والكسب غير المشروع، يصبح عبئا اجتماعيا وظاهرة اقتصادية مضرة بأمن المجتمع اقتصاديا وماليا. وعلى المسرفين ان يدركوا ان الغنى لا يعني أن تكتنز الاموال، بل أن تُحسن كيف تستعملها.