حين يضرب الأب الطفلة بالسوط
فاروق الدباغ
في كل نقاش عن العراق، يتكرر السؤال: كيف نوقف العنف المجتمعي؟
لكن الجواب لا يُختزل في جملةٍ أو شعار، لأنه ليس قضية فردية، بل قضية بُنى مؤسساتية وقانونية وثقافية، وقبل كل شيء، قضية وعي.
فلا يمكن إيقاف العنف ما لم نُغيّر نمط تفكير الفرد من استراتيجية الخوف والهيمنة إلى استراتيجية الحب والتواصل والحوار.
في أحد المقاطع التي انتشرت مؤخرًا، يظهر أبٌ يجلد ابنته ذات العشر سنوات بالسوط، وهي بملابس المدرسة، منكمشة في زاوية ضيقة، تحاول حماية رأسها من ضرباته التي تنهال عليها بلا رحمة.
تصرخ الطفلة طلبًا للنجدة من الرجل الذي يفترض أن يكون ملجأها الأول.
لكن المشهد، بكل قسوته، ليس استثناءً؛ إنه مرآة لمجتمعٍ توارث الألم باسم التربية، والعنف باسم الرجولة.
هذا العنف الأسري هو النواة الأولى لكل أشكال العنف الأخرى.
الطفلة التي تُضرب اليوم ستكبر وهي تحمل في داخلها نموذجًا مشوّهًا للأب، للرجل، وللحب نفسه.
وحين تصبح أمًّا، ستعيد – بوعيٍ أو بدون وعي – إنتاج نفس النمط من الألم. إنها دائرة الخوف التي تبدأ في البيت، لتنتقل إلى المدرسة، ثم إلى الشارع، وأخيرًا إلى المجتمع بأكمله.
المشكلة ليست فقط في الفعل، بل في الجهل المتجذّر داخل ما نظنه معرفة.
فالكثيرون يدخلون الزواج دون أن يعرفوا لماذا يتزوجون، ولا ما الذي يعنيه أن تكون زوجًا أو زوجة، أو ما يتطلبه ذلك من نضجٍ ذهني وسلوكي وأخلاقي.
يتزوجون لأن “هكذا يفعل الناس”، لا لأنهم مستعدون لبناء علاقة تقوم على المشاركة والاحترام والنمو المشترك.
وحين تغيب التربية العاطفية، يحل محلها العنف والانفعال وردّ الفعل.
إن العراق اليوم بحاجة إلى ثورة تشريعية وإنسانية تعيد تعريف الكرامة في البيت والمدرسة والشارع.
بحاجة إلى مؤسسات تُربّي قبل أن تُعاقب، وتُعلّم قبل أن تُدين.
فلا يمكن بناء مجتمع سليم في ظلّ صمتٍ رسمي عن انتهاك الطفولة، أو تساهل مع من يمارس العنف تحت شعار “التربية” أو “الرجولة”.
ولذلك، فإن العراق بحاجة عاجلة إلى قانونٍ لحماية الطفل، لا يُكتفى به في الأوراق، بل يُفعّل مؤسساتيًا، ويرتبط بآليات رصد وتدخل واضحة، تضمن للطفل حقه في الأمان، والتعليم، والنمو النفسي السليم.
فلا نهضة وطنية ممكنة ما لم يشعر الطفل العراقي أولًا أنه في وطنٍ يحميه… لا وطنٍ يخاف منه.