بيان وتبيين
علي السوداني
لست ميالاً لتوصيفي بالكاتب الساخر وحبسي في جدران هذا المصطلح الذي قد يتحول تالياً إلى جنس أدبي يصعب الفكاك منه . لنسميها السخرية المرة أو الدعابة السوداء أو الكتابة الغاضبة التي تحمل على كتفيها وجعاً وحزناً إن أنزلته فوق جبل لصيّره تراباً ورماداً .
أما المزج بين الفصيح الصافي والشعبي الدارج فهو قليل ، وقد تسقط بعض العاميات وتلوذ أحياناً بثنيات نصوصي وهذا أمر حقيقي ، لكن بعض القارئين من العامة والنخبة رأوا في ذلك إفراطاً وكثرة بعد أن اشتبهت عليهم المفردة العامية التي لا جذر لها بالفصيح المعروف ، والتبست تفاسيرهم حول مفردات أستعملتها وقد حسبوها على خان الدارج من القول ، والحق هو أنها أو جلها عبارة عن منحوتات لغوية صحيحة قائمة ببطن الصحاح أو القديم وقد هجرتها الناس حتى إذا جيء على رسمها وذكرها في الكتابة الحديثة ، ابتسموا وارتاحوا وقالوا إن الرجل قد باعنا بعض كلمات مستلة من مصطبة الشارع ولغته الممكنة !!
تجربتي القصصية وما جاورها من فنون كتابية اخرى أنتجتها خلال أربعين سنة ، لم تأخذ حقها المشروع والعادل من الكتابة النقدية ، لأن مائدة النقد الآن غاصة بالأخوانيات المبتذلة والمجاملات السائبة وجبر خواطر الكتاب الجدد الأغضاض ، والأهم من ذلك هو أن الناقد صار يدمغ نصك الأدبي الخالص بنصك الجرائدي الذي فيه هتاف عال ضد الغزاة والقتلة والفاسدين ، حتى صار النقدة قبائل تكتب بطريقة تشبه جداً ما يكتبه شعراء ساجدون على عتبة السلطان ، حيث الطعام الكثير والشراب الوفير وصرر الذهب والدينار وما حمل البعير .
نحن الآن نعيش فترة مظلمة حقاً ومن أعظم ضحاياها هو الأدب والفنون الجميلة عموماً ، حيث مافيا الأدب والفن صارت معلنة ولا تستحي من جرائمها ، وهي التي تقرر إضاءة الوجوه المختارة ومنح الجائزة والدعوة إلى مهراجات السهر واللذة والباقيات !!
لا شعور بالحيف عندي ولا ببعض أسى .
المسألة سائرة هكذا حتى قطع النفس .