لماذا يقاتل العراقيون من أجل الآخرين ؟
ظاهرة تجنيد الشباب للقتال في الحرب الروسية-الأوكرانية
عماد علوّ الربيعي
المقدمة
لماذا يقاتل العراقيون من أجل حروب الآخرين؟ سؤال بات يشغل المجتمع العراقي بمختلف مكوناته وأطيافه، فمنذ اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية (2022) ظهرت شبكات ومحاولات لتجنيد مواطنين عراقيين للانخراط في القتال على جانبي النزاع أو في صفوف مجموعات مساندة (بما في ذلك مجموعات مرتزقة/عقود خاصة)، الأمر الذي يستدعي اهتمام الجهات الحكومية ومراكز الأبحاث والدراسات الى تسليط الضوء على الطبيعة المعقدة والمرتبطة بالسياق العام، لدوافع المقاتلين العراقيين، للانخراط في حروب الآخرين سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في مناطق أخرى مثل الحرب الروسية الاوكرانية مع التركيز على كيفية تغير الدوافع عبر الزمن والسياق العام والخاص لمختلف الصراعات التي انخرط فيها مواطنين عراقيين.
تحث هذه الدراسة مراكز الأبحاث والجامعات ومستشارية الأمن القومي على الاهتمام بهذه الظاهرة الخطيرة، التي تشكل هدرا» كبيرا» بالموارد البشرية الشابة، فضلا» عن كونها خطرا» على الأمن القومي العراقي والسلم المجتمعي بسبب تداعياتها المستقبلية.
الدوافع العامة
شكلت الأوضاع الاجتماعية والأمنية في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003، تفاقم ظاهرة النزاعات العرقية والطائفية المسلحة مما ألحق ضررا» كبيرا» بفرص المشاركة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للشباب، مما ضيق كثيرا» من مساحات التعبير عن أنفسهم، والحق بهم اضرارا» نفسية بالغة الخطورة، خصوصا» بعد أن استثمرت فيهم (فئة الشباب)، القوى السياسية التي برزت بعد الغزو الأمريكي، لإدامة زخم النزاعات العرقية والطائفية المسلحة، فتراجعت بشكل كبير وواضح آليات تمكين الشباب في المجتمع العراقي الى مستويات متدنية كثيرا»، اعاقت إعادة ربط الشباب بالنظام المجتمعي العراقي. ويرى مراقبون أن تفشي البطالة بين الشباب العراقيين، لاسيما خريجي الجامعات والمعاهد ممن لم يحصلوا على فرصة عمل أحد أهم عوامل الهرب إلى خارج العراق مما يجعلهم صيدا سهلا لعصابات ومافيات الاتجار بالبشر.
آليات التجنيد
إن الشكل السائد للصراعات المسلحة في العقود الأخيرة كان الحروب داخل الدول لا بين الدول. الا أن حرب روسيا وأوكرانيا شكلت صراعًا بين الدول جذب اليه مقاتلي الحروب الأهلية التي اندلعت في بلدان أخرى مثل بلدان الشرق الأوسط مثل العراق وسوريا. ويبدو أن الاحتياجات التنظيمية المتمثلة في نقص الأفراد، للدولتين المتحاربتين، دعت إلى هذه الاستراتيجية. اذ تتمتع كل من روسيا وأوكرانيا بمكانة قانونية لا تتمتع بها الجهات الفاعلة غير الحكومية، بالإضافة إلى موارد هائلة لا تستطيع الجهات الفاعلة غير الحكومية حشدها، وهذا سمح لها بتجنيد واستقطاب المقاتلين الأجانب باستخدام آليات وموارد لا تستطيع الجهات الفاعلة غير الحكومية حشدها. كل ذلك أغرى وسهل، انخراط مواطنين عراقيين في هذه الحرب من خلال آليت عدة منها ما يلي:
وسطاء وشبكات اتجار بالبشر داخل العراق يجندون شباناً بوعد وظائف أو هجرة، ثم يُرسلونهم إلى دول ثالثة أو مباشرة إلى مجموعات تقاتل في أوكرانيا أو روسيا.
إعلانات ومنشورات إلكترونية على التيليغرام والفيسبوك تعرض «فرص عمل»، رواتب مغرية، أو طرقاً للحصول على إقامة/مواطنة مقابل القتال.
تجنيد عبر شبكات محلية/تدريبات داخلية: لمجموعات من قبل إرسالها ساحات الصراع الروسية الاوكرانية، أحياناً بتنسيق عبر وسطاء في دول مجاورة. في أيلول 2025، أصدرت محكمة في النجف حكماً بالسجن المؤبد على مواطن عراقي بتهمة “تجنيد وإرسال مقاتلين لصالح روسيا”. هذا القرار يُظهر أن الدولة بدأت تنظر إلى الملف من زاوية أمنية شاملة، إذ إن تجنيد المواطنين في صراعات خارجية يهدد ليس فقط القانون، بل السيادة الوطنية نفسها.
أغلب التقارير الموثقة تشير إلى انخراط بعض العراقيين في صفوف مجموعات تقاتل مع الطرف الروسي (بما في ذلك مجموعات مرتزقة مثل فاغنر أو عبر عقود مع جهات روسية)، مع وجود أعداد أقل توثيقاً لانضمام متطوعين للجانب الأوكراني. هناك حالات وفاة عراقية وثّقها الإعلام في صفوف «الجانب الروسي».
حجم المشاركة التقريبي
لا يوجد رقم رسمي حول حجم انخراط مواطنين عراقيين في الحرب الروسية الأوكرانية، ألا أن المصادر الصحفية تُقدّرهم بمستوى يمتد من مئات إلى آلاف عبر فترات زمنية متغيرة؛ بعض التحقيقات الحديثة أفادت بارتفاع في عمليات التجنيد خلال 2023–2025. التباين في التقديرات يعكس سرية الشبكات والانتقالات عبر دول ثالثة. بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر 2025، نشر موقع شفق نيوز تقريرا» عن التحاق أكثر من 5 آلاف شاب عراقي للعمل بصفة مقاتل في روسيا وأوكرانيا منذ عام 2022، ذهب أكثر من 3 آلاف متعاقد عراقي، الى جانب الجيش الأوكراني مقابل أجور شهرية تقدر 2000 – 2500 دولار، حيث يتم نقلهم إلى تركيا ومن ثم تهريبهم عن طريق البحر الى روسيا أو دول الاتحاد الأوروبي، ومن ثم الى أوكرانيا. من جانبه قال السفير الروسي في العراق، ألبروس كوتراشيف، في مقابلة بتاريخ 17 تشرين الأول 2025، إن «آلاف العراقيين مستعدون للانضمام إلى الجيش الروسي إذا فُتح الباب أمامهم»، وهو تصريح اعتبره المرصد العراقي لحقوق الإنسان (IOHR)، كمؤشر خطير على محاولات ممنهجة لاستغلال الفقر والبطالة التي يعاني منها الشباب العراقي لتحويلهم إلى وقود في حرب خارج حدود وطنهم. ويتوزع المقاتلون العراقيون على جبهات دونباس، بخموت/دونيتسك وغيرها من مناطق القتال. وكانت صحيفة عكاظ السعودية، قد أفادت بتاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر 2025، أن عدد من المقاتلين العراقيين المشاركين في الحرب الروسية الأوكرانية ناشدوا إعادتهم إلى البلاد دون أي رد رسمي حتى الآن، في وقت تزايد في وسائل التواصل الاجتماعي ظهور عدد من المقاتلين العراقيين المنخرطين في الحرب الروسية الأوكرانية يعبرون فيها عن معاناتهم في جبهات القتال هناك. في وقت تحدثت تقارير صحفية عن حالات وفاة ومفقودين عراقيين في الحرب الروسية الأوكرانية، مثل وفاة عراقي قُتل في صفوف فاغنر / القوات الروسية عام 2023. وفي 2025 ظهرت تقارير عن عائلات أبلغت عن فقد اتصال بأفراد أُرسلوا إلى روسيا ثم إلى جبهات القتال هناك. لكن لا توجد إحصائية رسمية توثق عدد القتلى العراقيين في النزاع.
استراتيجيات مواجهة الظاهرة
الظاهرة حقيقية ومُوثَّقة بحالات فردية وأحكام قضائية، وتقارير صحفية استقصائية، لكنها لا تزال تفتقر لبيانات شاملة وواضحة. استنادا» لذلك فإننا نحث مراكز الأبحاث والجامعات ومستشارية الأمن القومي على الاهتمام بمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، التي تشكل هدرا» كبيرا» بالموارد البشرية الشابة، فضلا» عن كونها خطرا» على الأمن القومي العراقي والسلم المجتمعي بسبب تداعياتها المستقبلية. من خلال ما يلي:
تفعيل القوانين الخاصة بملاحقة شبكات ومافيات الاتجار بالبشر.
تسريع وتوسيع التعاون الدولي والشراكات الاستخبارية والقانونية، مع الدول الإقليمية والدول المنخرطة بالنزاع الروسي الاوكراني لتتبع شبكات التجنيد والوساطة.
إنشاء آلية رسمية لتسجيل المفقودين والعمل مع بعثات دولية لتحديد مصير المرسَلين من خلال برنامج حكومي بإشراف مستشارية الامن القومي لدعم العائلات والمتضرّرين.
تصعيد الحملات الإعلامية والمجتمعية للتوعية المضادة لإغراءات عصابات التجنيد والاتجار بالبشر التي تعد بالمال والهجرة، وتقديم بدائل اقتصادية/تدريبية للشباب.
الخاتمة
يشير تصاعد الجدل في العراق حول ظاهرة المرتزقة العراقيين في الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تزايد الوعي بالعواقب المحتملة طويلة المدى على الأمن والاستقرار القومي العراقي وتداعيات هذه الظاهرة على الاستقرار الإقليمي. الأمر الذي يؤشر أهمية التنسيق بين الجهات ذات العلاقة لمعالجة هذه الظاهرة، من خلال اتخاذ تدابير تشريعية أو دبلوماسية مستقبلية لمنع المزيد من الترويج لتجنيد المرتزقة العراقيين وانخراطهم في القتال من أجل حروب الآخرين. في النهاية لابد من القول، أن العوامل الكامنة وراء البطالة والتردي المالي والاقتصادي ستبقي الشباب العراقي عرضة للاستغلال، ودفعه في مسارات قد تهدد الأمن والسلم الأهلي على الأقل في المدى القريب.
□ باحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية