وما يُلقاّها إلا ذو حظٍ عظيم
ماهر نصرت
في كل مرة يضطر فيها المواطن الى مراجعة دائرة رسمية حتى تتكرر الحكاية نفسها ، طابور طويل واعصاب مشدودة وقلوب ترتجف ووقت يضيع بلا نتيجة الا ما ندر ( وما يُلقاّها الا ذو حظٍ عظيم ) ، فنظام المعاملات في بلدنا ما زال يعيش خارج حدود الزمن وكأنه لم يسمع بما وصل اليه العالم من تنظيم وسرعة واحترام لوقت الانسان وخاصة في دول الخليج المجاورة .
يصل المواطن في الصباح الباكر ويقف مع طابور المراجعين لساعات امام شباك واحد وعندما يحين دوره بعد كل هذا الانتظار واللوعة يفاجأ بجملة صارت مرعبة للجميع ( لديك نقص في المعاملة ) اذهب وصحح فيعود المواطن المسكين ليقف في طابور اخر من أجل تصحيح النقص ثم يرجع الى الشباك الاول ليكتشف نقصاً آخر في احد الاوراق العميقة للمعاملة وصار هذا الامر يتكرر مراراً مع المراجعين ، فيطلب منه الذهاب الى شباك اخر وربما طابق اخر فيه تكدس بشري امام نوافذ الموظفين فُتح زجاجها من الاسفل فقط وعندما تكلم الموظف تحتاج أن تنحني ليصل صوتك الخائف الى اذن الموظف وهكذا تبدأ رحلة الذهاب والعودة التي تستهلك اليوم كله وينتهي الدوام الرسمي والمراجع لم ينجز سوى 30بالمئة من معاملته بينما حصل من دائرته على اجازة يوم واحد بشق الانفس فكيف له ان يكرر الامر في اليوم الثاني والثالث والرابع وكأن الوقت والجهد لا قيمة لهما في دوائر الدولة .
أن المشكلة ليست في المواطن ولا في كثرة المراجعين بل في نظام اداري متأخر يقوم على تكديس الناس امام شبابيك محدودة وتقسيم غير منطقي مثل جمع اصحاب عدة حروف أو عدد مناطق في شباك واحد عليه ضغط هائل ويجلس خلفه موظف واحد مثقل بالتدقيق والروتين يعمل ببطء شديد لأنه مطالب بمراجعة كل ورقة من البداية الى النهاية دون وجود نظام فرز اولي او تدقيق مسبق .
ما نحتاجه ليس ترقيعاً مؤقتاً بل اعادة تفكير كاملة في طريقة انجاز المعاملات نحتاج الى فرمتة حقيقية للنظام الاداري تبدأ بوضع تعليمات واضحة للمواطن قبل دخوله الدائرة وتوزيع منطقي للشبابيك وزيادة عدد الموظفين في نقاط الضغط واعتماد التدقيق المسبق والارشفة الالكترونية وتقليل الاحتكاك المباشر الذي يهدر الوقت والاعصاب .. كرامة المواطن تبدأ من احترام وقته فالدولة التي تجعل مواطنيها يقفون لساعات ثم تعيدهم من نقطة الصفر لوجود خطأ ما في اوراق المعاملة ، لا تبني ثقة ولا تخلق شعوراً بالانتماء ،
أن الاصلاح الاداري لم يعد ترفاً بل ضرورة لان بقاء هذا الواقع يعني استمرار الهدر في الوقت والجهد والطاقة دون اي مبرر .