فاتح عبد السلام
هناك ألقاب أو أسماء متداولة في العراق تثير الغرابة في بعض الأحيان من حيث موقع الاستخدام. مثلاً، يرد في الاخبار، «وقال الوزير الجزائري» فيذهب الظن انه من الجزائر لكن المقصود انه لقب الانتساب الى قبيلة الجزائر في جنوب العراق. وكذلك نقول و»استقبل السوداني»، ونحن نقصد المسؤول العراقي الذي لقبه مستمد من قبيلة السودان في جنوب البلاد أيضاً.
كما هناك أسماء عراقية متداولة قد يقع التشابه فيها الى الجد الثاني والاسم الرباعي او الخماسي، ولا نستطيع التمييز بين شخص وآخر الا من خلال اسم الأم. لدي صديق عتيق يحمل هذا النوع من الأسماء التي بعثت في نفسه بالأرق الدائم لاسيما في نقاط الحدود والمطارات والموانئ، لاسيما ان المطلوبين ممّن يحملون ذات الأسماء على قوائم القوات الأمنية أو قوائم تنظيم داعش في مناطق احتلالهم للبلاد في الأيام السود، أو في قوائم فصائل تحب وتكره بحسب الظروف والسمعة والشائعة، لذلك لا يعرف هو اين يتجه باسمه، و لا يدري من أين يمكن أن يتلقى الضربة التي لا يتوقعها، وبالرغم من انه لم يبلغ بعدُ من العمر عتياً إلا انّ الوقت قد فات تماماً على محاولة تغيير اسمه للخلاص من ورطة يعيشها الآلاف من العراقيين، لكنه يشعر بها عظيمة على نفسه.
ذات مرة، أخبروه في نقطة حدود المغادرة العراقية نحو السعودية انه ممنوع من السفر وانّ لقبه -أبو التمن- وانّ المنع قائم عليه منذ خمسينيات القرن الماضي، وبذل صديقي جهدا ليقنعهم انه ليس الشخص المطلوب، وانه في خمسينات القرن كان طفلاً رضيعاً بالكاد قد رأى نور الحياة، وانه أساساً لا يحب “التمن” ويفضل البرغل عليه منذ الصغر، وانه غير مسؤول عن افراد عائلته اذا كان أحدهم يحب التمن، وأنه لم يقترن اسمه بهذا اللقب يوماً من الأيام، ولولا وجود « معارف» من ذوي السلطة واليد الطولى معه لعاد أدراجه الى بيته أو للبث في الحجز بضع سنين.
وحين تزوج هذا الرجل، تمكّنت منه عقدة الأسماء المتداولة والشائعة، فقرّر أن يسمي أولاده بالأسماء النادرة التي استقاها من تاريخ العرب القديم ، لما قبل الإسلام، وبذلك شعر انّ ابناءه نجوا من الورطة التي كان قد أوقعه فيها أهله من قبل، من دون ارادته. لكن المشكلة هي انني أنسى أسماء ابناءه وبناته، وحين يذكر هو أحدهم أمامي بالصدفة، أجده يحمل اسماً تعجز ذاكرتي المزدحمة عن حفظه. وقد قلت له ذات مرة لا ينقصك إلا أن تسمي أسماء مركبة ومحكية وغريبة، لتستمر في طريق النجاة من التكرار والاحراج والتورط، فقال مثل ماذا؟، فقلت مثل «رواه الترمذي»، أو «صححّه الألباني». فضحكنا معاً وأقفلنا الهاتف على ذكريات الأيام المهاجرة.