الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أمنياتي في الألفية الثالثة

بواسطة azzaman

كلام أبيض

أمنياتي في الألفية الثالثة

جليل وادي

 

ربع قرن مر على هذا العنوان الذي وشحت به مقالاتي الثلاثة الأولى في العمود الاسبوعي الثابت الذي كنت أنشره في جريدة (أشنونا) الصادرة في مدينتي مطلع العام 2001، وتمنيت فيها ما تمنيت، لكنها ليست بالعصية على التحقيق، بل أشبه بأمنيات جندي يكفيه الحصول على اجازة للاستمتاع بألوان الحياة والخلاص من الخاكي ولو لحين قصير، ومع ان الربع الأول قد انقضى، لكن لم تتحقق أي من تلك الأمنيات، ومازلنا في ( الكيفماشائية ) ندور، ومازالت الحسرات متكسرة في الصدور، ويبدو سأغادر الدنيا دون أن أتلذذ بمرأى واحدة منها. لست وحدي الذي تمنيت، فالملايين قبلي تمنوا، وذهبت أمنياتهم في مهب الريح، والا لما صار تحقيق الأماني من بين الدعوات في الأعياد.

 ورأيت بأم عيني كيف مات اختناقا بالربو لتعذر حصوله على علبة فنتالين ذلك الماركسي العتيد الذي يجري دم خولته في عروقي دون أن يشهد بيوتا لائقة للفقراء، وحياة كريمة للكادحين، بالرغم من فناء شبابه بالنضال مطاردا، ومع ذلك لم يتوقف عن مسيرة التنوير تحت جنح الظلام، وفي الخرائب المهجورة، وهكذا غادرنا يائسا ومحبطا وناقما، كم كانت أمنياته سامية، وكم كان واقعنا قاسيا، وكم هو حجم المهزلة عندما يكون الأمر بيد التافهين.

وغادرت دنيانا تلك الفتاة القروية التي رأت في النساء المتحضرات نماذج للاحتذاء، فقلدتهن في كل شيء، من العمل الى السفور، رفضت أن تبقى المرأة متخلفة منكسرة، وبأذيال الرجل متعلقة، وحريتها مصادرة، فرفعت ما يناسب من شعارات، متمردة فيها على سنن القبيلة البالية، وتقاليدها البائسة، ظلت الروح القيادية تجري في عروقها لتبثها في نفوس الأخريات، لكن التافهين ممن أمسكوا بالزمام قتلوا أمانيها، ورموا النساء مجددا في أحضان القبيلة، بل وأقنعوهن بان الانصياع لها والبقاء في الخلف هو أقرب الطرق الى الله، وان ما تحقق للمرأة في العالم ليس سوى تعبيد لطريق الجحيم.

ليس من أمنياتي الآن حياة بهيجة تسودها العدالة وترفل بالحرية، او وطن قائم على المواطنة، يقوده مَنْ يضع البلاد والناس في حدقات العيون، لا نسمع فيه صوتا الا للممتلىء علما والأكثر خبرة والأعمق حكمة، مَنْ يعرف كيف يغّير الواقع لآخر يزيدنا انتماء لوطننا، واستعدادا للتضحية دفاعا عنه، والذي يثير في الآخرين حسرة على ما نحن فيه من رغيد العيش، مَنْ يجعل بغداد منارة، وجامعاتها مقصدا، وبنائها مدهشا، ومدنها مشرقة، وناسها مبهرين، مَنْ ينتقل بنا من العشيرة للدولة، مَنْ ينفض عنا غبار القبيلة لحياة مدنية، وان نمشي دون أن نتلفت، وأن نغادر الحيطان للسير في وسط الطريق، ولا نحتاج لظهر نستند اليه سوى القانون، أن تحدق بنا عيون المسافرين عندما تحط أقدامنا في المطارات، ويُشار لنا بأننا عراقيون، ويحسب الأعداء ألف حساب قبل التطاول علينا، ليس لقوة جيشنا فحسب، بل لأننا يد واحدة من شمالنا لجنوبنا ومن شرقنا لغربنا، لأن ثقلنا الاقتصادي كبير، وفكرنا بأنواعه مستنير، ووزننا السياسي ثقيل، وثقافتنا معاصرة.

ما عاد من امنياتي قطع الطريق على الذين استسهلوا الحصول على العالي من الشهادات، ليضعوا أنفسهم فوق العلماء مع انهم أبعد ما يكونون عن صروح العلم المقدسة، والذين وجدوا في السياسة طريقا مفتوحة مع انهم لا يفقهون منها شيئا، تخيلوا كيف يحترم الوطن من لا يحرص على الرصيف؟. ولم أعد أتطلع لمن يضع حدا للذي يرفع بندقيته بوجه أخيه، ولمَنْ يرى في المناصب تسلطا على الناس، وليس مكافحا معهم لبناء وطن رشيق، أووووه..  يا لهذا الضيق، ما أتعسه من طريق.

لم يعد ما مر من بين الأمنيات، بل صار وكأنه المستحيلات، لذا دعوني أتمنى شرب ماء من الاسالة وليس (مي آروا)، ولحكوماتنا من الوقت لتحقيقها ما بقي من هذه الألفية.

 

jwhj1963@yahoo.com


مشاهدات 41
الكاتب جليل وادي
أضيف 2025/10/11 - 1:36 PM
آخر تحديث 2025/10/12 - 6:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 175 الشهر 7678 الكلي 12147533
الوقت الآن
الأحد 2025/10/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير