الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كيف تستنزف الإباحية شبابنا ؟

بواسطة azzaman

كيف تستنزف الإباحية شبابنا ؟

فاروق الدباغ

 

في مجتمعاتنا العربية نُكثر الحديث عن الحلال والحرام والشرف والعِرض، لكننا نُخفي ما يجري خلف الأبواب المغلقة، فتتحوّل موضوعات مثل الإباحية والاستمناء المفرط إلى أسرار جماعية يتداولها الشباب في الخفاء ويُنكرها الكبار في العلن. هذه الممارسات ليست مجردذنوب” أوعيب” كما يُختزل النقاش، بل ظاهرة سلوكية ونفسية واسعة النطاق تُستنزف فيها طاقات الرجال وتنعكس على علاقاتهم الأسرية وقدرتهم على بناء حياة متوازنة. المني الذي تسميه بعض الثقافاتالذهب الأبيض” ليس سائلًا عابرًا، بل جزء من هوية الرجل العصبية والنفسية والجسدية، وعندما يُفرَّط فيه بلا وعي أو يُستنزف بشكل قهري تحت تأثير المقاطع الإباحية، فإن ذلك يشبه نزيفًا داخليًا للطاقة والقوة التي يحتاجها للتركيز والعمل وبناء الأسرة. الإباحية اليوم لم تعد صورة عابرة بل صناعة عالمية مدروسة تُصمم مقاطعها لتستهدف مناطق المكافأة في الدماغ وتُعيد تشكيل الخيال الجنسي ليصبح المتابع أسيرًا للوهم وصورة لا تُشبع، ويظن نفسه سيد اللحظة بينما هو عبدٌ للهرمونات والمحفّزات. وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة في دول الشرق الأوسط بسبب الحجب والرقابة، فإن بيانات دولية تكشف حجم المشكلة حتى في المجتمعات المحافظة؛ ففي السويد مثلًا أظهرت دراسة وطنية أن 41بالمئة من الرجال بين 16 و29 عامًا يستخدمون الإباحية بشكل متكرر، وأن الاستخدام المفرط يرتبط بمشكلات في النوم والتوتر وآلام جسدية، كما أظهرت دراسة أخرى أن أكثر من 68بالمئة من الرجال و27بالمئة من النساء أشاروا إلى استخدام الإباحية وأن نحو 17بالمئة من الشباب يستخدمونها يوميًا أو شبه يوميًّا، وإذا كان هذا واقع دولة تملك برامج توعية وعلاج متقدمة فكيف سيكون الحال في بيئات تُنكر أصلًا وجود المشكلة وتكتفي بالفتوى والتحذير؟ هذه الظاهرة لا تُعالج بالوعظ وحده ولا بالقمع الأعمى، بل بفهم عميق للجسد والعقل والرغبة وإعادة بناء العلاقة معها، وهذا ما تسعى إليه برامج العلاج الجنسي في الغرب التي تدمج العلاج السلوكي المعرفي وتمارين التركيز الحسي ونماذج الدعم الجماعي، وهي أدوات يمكن تكييفها مع بيئتنا العربية لتتكلم لغتنا وتحترم خصوصيتنا الدينية والعشائرية. المطلوب خطاب جديد يسمّي الأشياء بأسمائها بلا تخويف ولا تبرير، يعلّم الشباب منذ المراهقة كيف يفهمون أجسادهم ورغباتهم ويضعون لها حدودًا بدل أن يتعلموها من السوق السوداء الرقمية، ويقدّم لهم قنوات دعم نفسية وسلوكية سرية بلا وصم أو فضيحة. هنا فقط يمكن للشاب العربي أن يستعيد سيادته على جسده ووعيه ورغبته بدل أن يبقى حبيس صراع بين ما يُملى عليه في العلن وما يعيشه في الخفاء، والسؤال الذي يفرض نفسه في النهاية: هل نواصل سياسة الستر حتى تنفجر الظاهرة في شكل اضطرابات وعلاقات مدمّرة، أم نبادر إلى مواجهتها بخطاب علمي وديني ونفسي صريح يعيد التوازن للشاب والأسرة والمجتمع؟

تذكّر دائمًا: السيطرة على رغبتك ليست قيدًا على حريتك بل استعادة لسيادتك على نفسك وحياتك.

 


مشاهدات 36
الكاتب فاروق الدباغ
أضيف 2025/10/01 - 2:10 PM
آخر تحديث 2025/10/03 - 1:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 32 الشهر 1381 الكلي 12041236
الوقت الآن
الجمعة 2025/10/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير