الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المثقف بين رجل الدين وشيخ العشيرة

بواسطة azzaman

المثقف بين رجل الدين وشيخ العشيرة

نديم الجابري

 

غالبا ما تثار تساؤلات حول دور المثقف في قيادة الدولة و المجتمع و السياسة . إذ يتساءل الكثير لماذا لم ينجح المثقف في قيادة مشروع سياسي ناجح ؟ و لماذا لم يتمكن من قيادة الدولة بعد عام 2003 ؟ و لماذا لا يتمكن من حجز مقعد برلماني تحت قبة البرلمان ؟

في الواقع ، أنها تساؤلات وجيهة ، و ينبغي الوقوف عندها طويلا من أجل إيجاد إجابات مقنعة ، و تلمس حلول ناجعة لها . إذ بدون قيادة المثقف لا يمكن أن نجد دولة مدنية ناجحة . و المثقف تعريفا من إمتلك وعيا إجتماعيا و سياسيا و مهارات إبداعية ، و قدرة على توظيفها في المجتمع و قضاياه الأساسية. بمعنى أوضح أن المثقف لن يكون مثقفا إلا إذا وصل إلى درجة من الوعي تمكنه من معرفة الواقع الاجتماعي و السياسي و تفهمه ، و يضع يده على أماكن الخلل في المجتمع و الدولة و السياسة و الدين .

و يبدو أن أهم أسباب تراجع أو إنعدام دور المثقف في قيادة الدولة و السياسة و المجتمع راجع الى أسباب عدة منها :

1 - لأن الرأي العام درج على السير خلف رجل الدين لنوازع دينية . كما أنه سار على خطى شيخ العشيرة لأسباب إجتماعية. و لم يمجد سوى هذه المسميات الاعتبارية بغض النظر عن الدور الذي يلعبانه سلبا أم إيجابا على غرار ما ورد في النص المقدس ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) سورة المائدة.

وعلى هذا الأساس ، حدثت فجوة واسعة بين المثقف و الجمهور . إذ أن الرأي العام لم يمجد المفكرين و الأدباء و الفنانيين و رجال السياسة رغم غزارة نتاجهم الفكري الذي يتفوق على نتاج رجل الدين أو رجل العشيرة . إذ نلاحظ أن الرأي العام لم يلتف حول عالم الاجتماع علي الوردي و لا علماء السياسة من قبيل عبد الرضا الطعان و سعد ناجي جواد و وميض نظمي و رياض عزيز هادي . كما أنه لم يمجد الشعراء و الفنانين من قبيل ياس خضر و عباس جميل و كاظم الساهر و السياب و الرصافي و عبد الرزاق عبد الواحد و غيرهم . كما أنه لم يلتف حول رجال الدين المتنورين من قبيل كمال الحيدري و احمد الوائلي و لويس ساكو أحمد الكبيسي و غيرهم . و كذلك لم يمجد أساطين السياسة من قبيل الملك فيصل الأول و الباشا نوري السعيد لأنهم ليسوا من رجال الدين . فضلا عن كونهم لم يمجدوا رموز النزاهة لديهم من قبيل عبد الكريم قاسم و عبد الرحمن عارف لأنهم ساسة و ليس رجال دين ، بينما نجد أن المجتمع المصري يمجد رموزه ، و يدافع عنهم . فمن يجرؤ على التقليل من شأن أم كلثوم و عبد الحليم حافظ و أحمد شوقي و محمد حسنين هيكل و الشيخ محمد متولي الشعراوي و الزعيم جمال عبد الناصر و أحمد عرابي و سعد زغلول وغيرهم .

2 - و لعل الخطاب المتعالي للمثقف قد ساهم في عزلته عن الجمهور . إذ لم ينزل عن برجه العاجي ، و لم يبسط مفرداته و مصطلحاته ، و لم ينغمس في شؤون المجتمع و حاجاته الأساسية بل كان ، أحيانا ، في خطابه أو سلوكه يبتعد عن المزاج الشعبي مما يزيد من حجم الفجوة بينه و بين المجتمع ، و يحد من دوره في قيادة الدولة و المجتمع و السياسة.

دور المثقف

و لكي يفعل المثقف دوره في المجتمع عليه الأخذ بما يأتي :

1 - عليه أن ينتزع دوره من رجل الدين و شيخ العشيرة لأنه يمتلك سلطة المعرفة و التي من خلالها تبنى الدولة ، و تنظم السلطة ، و يتنور المجتمع . فرجل الدين يمتلك السلطة الدينية ، و شيخ العشيرة يمتلك السلطة الاجتماعية، و المثقف يمتلك السلطة المعرفية التي لا ترقى اليها أي سلطة أخرى .

2 - على المثقف أن يهبط من برجه العاجي ، و يكلم الناس على قدر عقولهم لأن الخطاب المتعالي لا يجسر العلاقة بين المثقف و الجمهور . و هذا الاقتراب لن يتمّ الا إذا تم تبسيط لغة الخطاب ، و الإندماج في المجتمع و تفهم حاجاته.

3 - على المثقف أن يتحلى بالإيمان لأن الإلحاد نزعة متخلفة تقودنا نحو الخلف ، فضلا عن كونه لا يتسق مع ذوق الجمهور المسلم ، و يتعارض مع عقائده .

4 - على المثقف أن يربط بين الثقافة الشعبية المتدنية و الثقافة النخبوية الرفيعة عن طريق التعلم و الإحتكاك مع إضافة كل جيل أو مجتمع لما يكتسبه مما يطرأ على حياته من أفكار و قيم و سلوك بحكم تغير الزمان و المكان .

5 - على المثقف العمل على تكوين ما يعرف ب ( الإنتجلنسيا) على غرار ما حدث في روسيا و بولندة . و أن هذا التكوين لن يكون إلا بتوسيع الطبقة الوسطى و التي تنتج المثقف و المفكر و الفيلسوف أو المبدع كدرجات متقدمة من المثقفين .

6 - على المثقف أن يتحلى بالطابع الموسوعي ، و بتعدد إهتماماته ، و بنزعته الحركية إزاء المجتمع و الدولة و الدين عن طريق نقل كافة ضروب المعرفة الممكنة للمجتمع ، و أن ينخرط في العمل السياسي لأنه يمثل مرشدا للشعب ، و خالقا لوعيه . و عليه أن يكون وسيطا بين رجل الدين و المجتمع عن طريق دراسة الفتاوى الدينية بالأدلة العقلية و المصلحة كي يبعد عن المجتمع فتاوى التكفير و الكراهية و الفتن أو ما ينافي الذوق العام من الفتاوى الشاذة .

7 - على المثقف أن لا يقف داخل مشهد السلطة اذا كانت ظالمة لكي يتلمس المسوغات الذهنية لسلوكها و أفكارها و مواقفها . و عليه أن لا يقف دائما خارج السلطة لكي يتلمس إسقاطاتها و أخطائها من منطلق الرفض للسلطة القائمة، إنما عليه أحيانا أن يدرك متطلبات السلطة و أولوياتها أو الظروف المحيطة بها أو بقدراتها .

8 - على المثقف أن يضع يده على أماكن الخلل لدى السلطة و السياسة و المجتمع و الممارسات الدينية و القيم و المفاهيم، و من ثم نشر المعرفة ، و توعية المجتمع، و ترشيد السلطة .

عليه ، تبدو مهمة المثقف عسيرة جدا ، و غاية في التعقيد في مجتمع لم يوفر مقدمات الثورة الثقافية ، و في ظل سلطة و أحزاب لا تكترث بالمثقف في أقل الفروض ، و رجال دين يمتلكون السلطة الدينية، و شيوخ عشائر يمتلكون السلطة الاجتماعية ، و سلطة سياسية تمتلك سلطة القوة ، و المثقف لا يمتلك سوى سلطة العقل و المعرفة .لذلك على المجتمع أن يبحث عن المثقف و يعينه على أداء مهمته لأنه الأنفع له و لمستقبله .

 

 

 


مشاهدات 254
الكاتب نديم الجابري
أضيف 2025/09/21 - 3:18 PM
آخر تحديث 2025/09/27 - 5:15 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 316 الشهر 19553 الكلي 12037426
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير