الثقافة الإعلامية الرقمية
العلاء صلاح عادل
الثقافة الإعلامية الرقمية باتت اليوم ضرورة لا غنى عنها للجيل الناشئ في العراق، خصوصاً في ظل الانفتاح التام الذي تشهده البلاد على مستوى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا الجيل يواجه يومياً كماً هائلاً من المعلومات، منها ما يفتح آفاق المعرفة، ومنها ما يحمل التضليل وخطاب الكراهية والشائعات. وبين هذا وذاك، يبرز دور الثقافة الرقمية كدرع يحمي الشباب من الوقوع فريسة للمحتوى المضلل، وكجسر يعبر بهم نحو الاستخدام الواعي والمسؤول للتكنولوجيا.
التحديات كبيرة: غياب مناهج تعليمية تزرع التفكير النقدي، ضعف الرقابة الأسرية أمام فجوة تقنية بين الأجيال، وتأثيرات محتوى عالمي يتدفق بلا حدود. ولعل التجربة المريرة مع دخول تنظيم داعش إلى العراق تمثل مثالاً حياً على خطورة الرسائل الإعلامية الرقمية، فقد استغل التنظيم وسائل التواصل الاجتماعي للتجنيد ونشر الرعب والتأثير في عقول الشباب، ما يجعل الحاجة إلى تحصين الأجيال المقبلة أكثر إلحاحاً.
وزاد الأمر تعقيداً مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي وبرامج التزييف العميق، حيث أصبح من الصعب التمييز بين النصوص المكتوبة أو الصور أو حتى الأصوات الحقيقية والمزيفة. ولم يعد المتلقي قادراً على الاعتماد على حواسه وحدها، بل بات محتاجاً إلى مهارات التحليل النقدي والتدقيق في كل ما يُنشر عبر الإعلام الرقمي، كي يتمكن من التمييز بين الحقيقة والوهم، وبين المعلومة الصحيحة والدعاية المضللة.
من هنا تبرز الحاجة الملحة إلى إدخال مادة التربية الإعلامية الرقمية ضمن المناهج الثانوية، بحيث يتلقى الطلاب تدريبات عملية على كيفية التحقق من الأخبار، وفهم آليات عمل المنصات الرقمية، والتعامل الأخلاقي مع الفضاء الإلكتروني. هذه الخطوة كفيلة بأن تهيئ جيلاً مدركاً لما يستهلكه وما يشارك به، وقادراً على مواجهة التحديات الرقمية بعقل ناقد وسلوك مسؤول.
الحلول لا تتوقف عند حدود المدرسة فقط، بل تمتد إلى تنمية الحس النقدي لدى الشباب، وتعزيز قيم المواطنة الرقمية القائمة على احترام الآخر ونبذ الكراهية، مع تمكينهم بمهارات تقنية تحوّلهم من مستهلكين سلبيين إلى صناع محتوى مؤثر. والمطلوب اليوم استراتيجية وطنية شاملة تعزز الثقافة الإعلامية الرقمية في التعليم والإعلام معاً، وتدعم المبادرات الشبابية التي تقدم محتوى إيجابياً بديلاً.
ومن هنا تبرز التوصية الأهم: ضرورة إدخال مادة التربية الإعلامية الرقمية ضمن مناهج المدارس الثانوية في العراق، باعتبارها خطوة استراتيجية لتنشئة جيل واعٍ يمتلك أدوات التفكير النقدي، ويستطيع التحقق من الأخبار، ويتعامل بمسؤولية مع الفضاء الرقمي. فالمعرفة الإعلامية لم تعد خياراً، بل أصبحت شرطاً أساسياً لحماية الشباب من التضليل، وتمكينهم من أن يكونوا صناعاً للوعي والإبداع في زمن الانفتاح الإعلامي الشامل.