اليوم العالمي للقانون.. أهمية القانون في صون العدالة والتنمية المستدامة

 أكرم عبدالرزاق المشهداني

يحتفل العالم سنويا باليوم العالمي للقانون الذي اقرته الامم المتحدة مناسبة سنوية هامة لتسليط الضوء على الدور الجوهري الذي يلعبه القانون في بناء الأمم وحماية حقوق الإنسان وترسيخ العدالة وتحقيق التنمية المستدامة. وتأتي هذه المناسبة في وقت تتزايد فيه التحديات العالمية، ما يجعل من ترسيخ سيادة القانون ضرورة أساسية لضمان الأمن والاستقرار ورفاهية الشعوب.

ويهدف اليوم العالمي للقانون إلى تعزيز الوعي المجتمعي والمؤسسي بقيمة القانون كإطار منظم للعلاقات بين الأفراد والدول، وكضمانة أساسية للحقوق والحريات. فمن خلال تطبيق القوانين بعدالة وشفافية، يتم الحد من النزاعات وحماية الضعفاء وتحقيق المساواة أمام القضاء. كما يُعدّ القانون أداة فعّالة لنشر ثقافة السلام والتسامح، ومكافحة الفساد، وتعزيز مبادئ الحكم الرشيد.

لقد أولت الأمم المتحدة منذ تأسيسها اهتماماً بالغاً بسيادة القانون، إذ اعتمدت ميثاق الأمم المتحدة قواعد واضحة لضمان العدالة الدولية ومنع نشوب الحروب. وتعمل المنظمة من خلال أجهزتها المختلفة، مثل مجلس الأمن والمحكمة الدولية، على دعم التشريعات الدولية، وتطوير الأدوات القانونية، والمساهمة في حل النزاعات عبر الوسائل السلمية.

كما أطلقت الأمم المتحدة العديد من المبادرات والبرامج الرامية إلى تعزيز قدرات الدول في إصلاح أنظمتها القضائية وتدريب الكفاءات القانونية، فضلاً عن تقديم الدعم الفني للجهات المعنية بتطبيق القانون. وتحرص المنظمة على إشراك جميع الفئات، بما في ذلك النساء والشباب والأقليات، في عمليات صنع القرار وصياغة القوانين.

ترتبط التنمية المستدامة ارتباطاً وثيقاً بسيادة القانون، إذ لا يمكن تحقيق أهداف التنمية بدون وجود أنظمة قانونية تضمن الحقوق وتكفل العدالة للجميع. وقد أكدت الأمم المتحدة في أجندة التنمية المستدامة 2030 على أهمية المؤسسات الفاعلة والقانونية في القضاء على الفقر، وضمان التعليم الجيد، وتحقيق المساواة، وحماية البيئة. فالقانون هو الحامي الأول للموارد الطبيعية والثروات الوطنية، والمنظم للعلاقات الاقتصادية والتجارية.

يُعد احترام القانون ركيزة أساسية في صون حقوق الإنسان، إذ تضمن التشريعات المحلية والدولية حقوق الأفراد في الحرية والكرامة والأمن الشخصي. وتعمل الأمم المتحدة من خلال اتفاقياتها وآلياتها الرقابية على مراقبة التزام الدول بتعهداتها القانونية، وتقديم الدعم للدول التي تواجه تحديات في هذا المجال.

رغم التقدم الملحوظ في ترسيخ القيم القانونية حول العالم، إلا أن هناك العديد من التحديات التي لا تزال تعيق التطبيق السليم للقانون. من أبرز هذه التحديات: ضعف استقلالية القضاء في بعض الدول، وانتشار الفساد، وتزايد النزاعات المسلحة، وغياب الشفافية والمساءلة. كما يمثل التطور التكنولوجي السريع تحدياً جديداً أمام المنظومات القانونية، حيث ظهرت قضايا جديدة تتعلق بالخصوصية والجرائم الإلكترونية وحقوق الملكية الفكرية.

وتواصل الأمم المتحدة جهودها الحثيثة لمواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز التعاون الدولي وتوفير منصات للحوار بين الدول والمنظمات غير الحكومية وخبراء القانون. وتولي أهمية كبيرة لتطوير الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الجرائم المنظمة والإرهاب، وتعمل على دعم آليات التحكيم والوساطة وحماية الشهود والضحايا.

لا يقتصر دور سيادة القانون على الجهات الرسمية فحسب، بل يمتد ليشمل المجتمعات والأفراد. فالالتزام بالقوانين واحترام الحقوق مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة والمؤسسات التعليمية وصولاً إلى الشركات ومنظمات المجتمع المدني. ومن هنا تبرز أهمية التوعية القانونية ونشر ثقافة احترام القانون بين الأطفال والشباب، وتشجيعهم على المشاركة في المبادرات التطوعية والبرامج التوعوية.

أطلقت الأمم المتحدة العديد من الحملات التوعوية في اليوم العالمي للقانون، من بينها ورش العمل، والندوات، والمسابقات الطلابية، وبرامج تدريبية للقضاة والمحامين. كما تدعم المنظمة مشروعات تهدف إلى تعزيز العدالة الرقمية وتسهيل الوصول إلى المعلومات القانونية، وتطوير أدلة إرشادية للمواطنين والمؤسسات.

إن احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للقانون ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هي دعوة متجددة للعالم أجمع لإعلاء قيمة القانون وسيادته؛ فبدونه لا يمكن تحقيق أمن ولا عدالة ولا تنمية. وعلى الجميع مواصلة العمل المشترك من أجل بناء عالم تسوده القوانين العادلة والمؤسسات الفاعلة، حفاظاً على كرامة الإنسان وحقوقه، وصوناً لمستقبل الأجيال المقبلة.