العشائر و الدين في الدولة المدنية
نديم الجابري
إن الإفراط في فكرة الدولة المدنية يدفع بعض دعاة المدنية إلى الغلو في معاداة الدين و العشائرية ، و بالتالي ينصرف هذا التوجه الحاد الى معاداة الدين و العشائرية على حد سواء . و هذا التوجه ، في واقع الحال ، يتقاطع مع النزعة المدنية و فلسفتها الإحتوائية .
إذ لا إشكال في العشائرية بحد ذاتها كونها ترتيبات اجتماعية نهضت بالفطرة ، من أجل توطيد رابطة الدم ، و حفظ الأنساب . بل أن وجودها الطبيعي كان من سنن الله سبحانه ، إذ قال في محكم كتابه العزيز ( ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
[ الحجرات: 13]
و هنا ينبغي التمييز بدقة متناهية بين النزعة العشائرية الطبيعية من جهة و دورها في السياسة من جهة أخرى . فالنزعة العشائرية لا إشكال عليها في ظل الدولة المدنية ، بيد أن الإشكالية تبدأ حين تتدخل بالسياسة و ليس في أصل وجودها. لذلك من الضروي أن يتم المحافظة على النزعة العشائرية في ظل الدولة المدنية مع حتمية منعها من التدخل في السياسة و شؤون الدولة . و بذلك فقط تستقيم العلاقة بين العشيرة و الدولة المدنية .
و يبدو أن هذا التأصيل الفكري للعلاقة بين العشائر و الدولة المدنية ، يتسق أيضا مع العلاقة بين الدين و الدولة المدنية.
فالغلو لدى دعاة الدولة المدنية يدفعهم نحو اقصاء الدين كلياً من الدولة المدنية . و هذا واقعا يعد شئ من التطرف في التعاطي مع الدين . إذ لا إشكال في الدين بحد ذاته في إطار الدولة المدنية لأنه يزودها بمنظومة الإيمان و القيم و الأخلاق ، بيد أن الإشكالية تبدأ من لحظة تدخل رجل الدين في السياسة . إن هذا التدخل فقط يتعارض مع مفهوم الدولة المدنية. لذلك ينبغي التمييز ما بين الدين بوصفه منظومة روحية و حضارية و أخلاقية و بين دور رجل الدين الذي يتدخل بشؤون الدولة و السياسة . إذ لا إشكال في الدين بحد ذاته ، إنما الإشكال الذي يتعارض مع فلسفة الدولة المدنية يكمن في تدخل رجال الدين في السياسة.
عليه ، و من أجل تنظيم شؤون الدولة المدنية لابد من الأخذ بما يأتي :
1 - إحترام الوجودات العشائرية بوصفها تنظيمات اجتماعية قامت بالفطرة ، و قضى الله سبحانه بوجودها على وجه الأرض ، إلا أنه لابد من الفصل بينها و بين شؤون الدولة و السياسة في إطار دولة مدنية احتوائية.
2 - إحترام الأديان بوصفها معتقدات فطرية آمن بها الإنسان منذ فجر الخليقة الأولى ، و غذت البشرية بمنظومة قيمية و أخلاقية و روحية لا غنى عنها ، إلا أنه لابد من الفصل بين الدين و السياسة أو بكلمة أدق الحد من الدور السياسي لرجل الدين في إدارة شؤون الدولة المدنية .