الاختراق غير المباشر.. الاستراتيجية الإسرائيلية لتفكيك العراق
عبدالرزاق فرحان البهادلي
المقدمة:
منذ عام 2003، تحوّل العراق إلى ساحة مفتوحة أمام التدخلات الإقليمية والدولية، بفعل انهيار منظومته الأمنية والسياسية، وتفكك نسيجه الاجتماعي. وبينما تتعدد الفواعل في المشهد العراقي، تبرز إسرائيل كلاعب غير مباشر يعتمد على أدوات خفية لتقويض الدولة العراقية دون الدخول في مواجهة علنية. هذا النمط من التدخل، الذي يجمع بين التخريب، الحرب السيبرانية، واستثمار الانقسامات الداخلية، يُشكّل تهديدًا مركّبًا للأمن القومي العراقي، ويستدعي تفكيكًا دقيقًا لفهم آلياته وأهدافه.
إشكالية البحث؛
كيف توظّف إسرائيل أدوات غير تقليدية لإضعاف العراق وزعزعة أمنه القومي؟ وما هي البنية الداخلية التي تُسهّل هذا الاختراق؟
أدوات التدخل الإسرائيلي
1. الإنكار الإستراتيجي والتدخل منخفض الكلفة:
تعتمد إسرائيل على تنفيذ عملياتها عبر أطراف ثالثة، ما يتيح لها التأثير دون تحمّل تبعات سياسية أو دبلوماسية. هذا النهج يُشبه ما مارسته الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى خلال الثمانينات، حين دعمت "الكونترا" في نيكاراغوا دون تدخل مباشر، مما سمح لها بإدارة الصراع من خلف الستار.
2. استثمار الانقسامات الاجتماعية:
التنوع القومي والمذهبي في العراق يُستغل لتغذية الانقسامات، كما حدث في البوسنة والهرسك خلال التسعينات، حيث استُخدمت الهويات الدينية والعرقية لتفكيك الدولة المركزية، مما مهّد الطريق لتدخلات خارجية متعددة.
3. التخريب والعمليات السرية:
تشمل تفجيرات غامضة، حرائق في مواقع عسكرية، وهجمات بطائرات مسيّرة مجهولة، تُدار غالبًا عبر وكلاء محليين. مثال عالمي بارز هو الهجوم على شبكة الكهرباء في أوكرانيا عام 2015، الذي تسبب في انقطاع التيار عن مئات الآلاف، ونُفذ عبر برمجيات خبيثة دون تدخل عسكري مباشر.
4. الحرب السيبرانية كأداة هيمنة رمزية:
تستهدف إسرائيل البنية التحتية للطاقة، الاتصالات، والمصارف، مما يُضعف الدولة ويقوّض ثقة المواطن بها. مثال عالمي هو هجوم فيروس الفدية عام 2017، الذي ضرب أكثر من 150 دولة، وعطّل أنظمة المستشفيات والبنوك وشركات الاتصالات، وأثبت أن الحرب الرقمية قد تكون أكثر فاعلية من القصف التقليدي.
5. العلاقة المحتملة مع الجماعات المسلحة:
رغم غياب الأدلة القاطعة، تشير تجارب دولية إلى إمكانية استخدام جماعات غير رسمية كأدوات هندسة جيوسياسية. ففي الكونغو، استُخدمت ميليشيات محلية من قبل قوى دولية لتأمين مصالح اقتصادية في مناطق التعدين، دون إعلان رسمي للتدخل.
الأهداف الإستراتيجية:
تسعى إسرائيل إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية من تدخلها غير المباشر في العراق:
- احتواء النفوذ الإيراني عبر ضرب امتداداته الإقليمية، خصوصًا عبر العراق كممر إستراتيجي
- التحكم غير المباشر في الموارد النفطية والمالية من خلال خلق أزمات تؤثر على استقرار السوق الإقليمية
- منع صعود العراق كقوة عربية مستقلة يمكن أن تعيد التوازن في المنطقة
- تفتيت الجبهة العربية عبر إبقاء بغداد في حالة انشغال داخلي دائم، ما يُضعف أي مشروع وحدوي أو مقاوم
النتائج:
يتضح أن إسرائيل تستثمر في هشاشة الداخل العراقي لتأمين مصالحها الإقليمية، دون الدخول في مواجهة مباشرة. العراق يُعاني من فجوات أمنية وسياسية تُسهّل الاختراق وتُقلّل كلفة التدخل، وتُحوّله إلى ساحة اختبار لنمط جديد من الحروب الرمزية والهندسة الاستخبارية.
الخاتمة:
التهديد الإسرائيلي لم يعد افتراضيًا، بل واقعًا متعدد الأبعاد. ولحماية الأمن القومي، يحتاج العراق إلى إستراتيجية وطنية متكاملة تقوم على تعزيز الوحدة الداخلية، وتطوير القدرات الاستخبارية، وبناء منظومة ردع رقمي وعسكري، تعيد الاعتبار للسيادة وتُحصّن القرار الوطني من الاختراق المركّب.
8 ايلول 2025