الرمزية في سباق الخبز
كاظم العمران
(سباق الخبز) ليست مجرد مسرحية عرضت على خشبة، بل هي عمل رمزي قوي يستلهم قصة كلاسيكية لبريشت وينقلها إلى الواقع العراقي الحديث، ليطرح بأسلوب فني عميق قضايا العدالة والكرامة والحلم وسط ظروف الحياة القاسية.فجاءت هذه المسرحية لتعطي قيم : رمزية. تعبيرية تعكس قلق الإنسان اليومي وصراعه الأبدي من أجل البقاء. اختيار العنوان لم يكن اعتباطياً، فهو يُدخل المتلقي مباشرة في فضاء الدلالة: الخبز بوصفه مرادفاً للحياة، والسباق بوصفه صراعاً لا يتوقف.
من الناحية الدراماتورجية، نلمس حضوراً لبريخت في النص، ليس فقط لكون العمل مقتبساً من إحدى قصصه، بل لأن المخرج عمد إلى إبراز التغريب عبر تفكيك الحدث وإعادة تركيبه برؤية معاصرة، تربط المتلقي بمأساته اليومية من دون أن تسمح له بالذوبان الكامل في العاطفة. فالمسرحية لا تقدم حكاية مكتملة الأركان بقدر ما تطرح سؤالاً وجودياً: كيف يمكن للإنسان أن يحافظ على كرامته في عالم يتآكل فيه الخبز وتُستنزف فيه الأحلام؟
أما على مستوى الصورة البصرية، فقد اعتمد العرض على اقتصاد بصري محسوب، حيث يلتقي الأداء الجسدي للممثلين بالفضاء المسرحي ليخلق إيقاعاً متوتراً، يعكس فكرة «السباق». هنا، يتحول الجسد إلى أداة تعبيرية، تتجاوز الكلمة أحياناً، وتفتح مساحات للمتلقي كي يملأ الفراغات بالمعنى. إن المسرح العراقي، الذي طالما اشتبك مع الهمّ السياسي والاجتماعي، يجد في «سباق الخبز» فرصة لإعادة تعريف ذاته، من خلال استعادة تقنيات مسرحية عالمية (بريخت، التعبيرية) لكن بلسان عراقي يلتقط تفاصيل ما بعد 2003.والكثير من التحولات التي مر بها البلد.... وعانى منها الغني والفقير. من هنا، يمكن القول إن «سباق الخبز» لا يسعى إلى تقديم إجابات بقدر ما يثير أسئلة، ويعيد طرح ثنائية الإنسان/الحياة في مجتمع يرزح تحت ثقل التحولات. ولعل القيمة الأبرز في العمل تكمن في أنه يُشرك المتفرج في لعبة المعنى، فلا يخرج من المسرح محملاً بالعاطفة فقط، بل بقلق السؤال أيضاً.
خلاصة القول : (سباق الخبز) هو مسرح جدلي،جاء اليوم ليذكرنا بأيامنا العصيبة جراء السياسات الخاطئة التي ارتكبتها الأنظمة السابقة.. انه عرض مسرحي ذكي يقوم على ثنائية الكرامة والخبز، ويعيد استثمار التراث البريختي ليضعه في سياق عراقي ملتهب. إنه عرض لا يكتفي بالبوح، بل يسعى إلى إحداث هزّة فكرية لدى المتلقي، تدفعه للتأمل وربما للاحتجاج. ليعرف أين هو من هذا الوجع في هذا الوجود.