فحوصات ما قبل الزواج .. بين جهل وإستخفاف

عند باب مختبر فحوصات المقبلين على الزواج تجمهر شباب وشابات في مقتبل العمر بوجوه مشرقة , مشغولين بأحلامهم والتخطيط لتفاصيل حفلة الزفاف والثوب الأبيض وقائمة الأغاني, ولم يبقى سوى إجراء بسيط من الفحوص الطبية ليعبروا بوابة السعادة . وبين هذا الصخب جلس رجل خمسيني متعب يراقب الوجوه بحسرة , حين التفت إليه أحد الشباب المرافقين لخطيبته وسأله باستغراب : (عمي انت ليش تنتظر ويانه؟!) , ابتسم الرجل بوجع وقال:( قبل ثلاثين سنة كنت مكانك , استهانيت بالفحوصات وگلت لنفسي كلشي ما بينه , ومشيتهة بواسطة وما عرفت إنّي بهالقرار حكمت على ابني بحياة من العذاب) . صمتت الاصوات واصطدم الحلم الرومانسي بالواقع  حيث يمكن لصحة الانسان أن تُختصر في ورقة وتتحول لحظة الانتظار إلى سؤال معلّق: هل الفحص فعلاً مجرد ورقة ام مصير اجيال؟لم تضع الدولة القوانين عبثا , ولم تكن توصيات العلماء والباحثين مجرد كلمات تذهب ادراج الرياح , فكل تلك الجهود هي من اجل ان تكتمل فرحة العروسين بلا مشاكل او عراقيل ويقام بيت جديد على ارض صلبة صحيحة وصحية لا على رمال من الامراض المعدية والوراثية. ولذلك اهتمت وزارة الصحة وبشكل متزايد بموضوع الفحوصات الطبية قبل الزواج كخطوة وقائية تهدف إلى الحفاظ على صحة الابوين وحماية الأجيال الجديدة من مشكلات صحية قد تترك آثاراً خطيرة على الأسرة والمجتمع معا . تشمل تلك الفحوصات : فحص الدم العام (CBC) للكشف عن الأمراض الدموية; فحوصات الأمراض الوراثية مثل الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي; فحص فصائل الدم وعامل الريسوس (Rh) لتجنب مشاكل الحمل والإجهاض المتكرر; فحص الأمراض المعدية كالتهاب الكبد الفيروسي (B وC) وفيروس نقص المناعة (HIV) والزهري; الكشف عن امراض الجهاز التنفسي الوبائية كمرض التدرن الرئوي وغيرها .

ورغم ان القانون العراقي يلزم المتقدمين على عقد الزواج بإجراء هذه الفحوصات, إلا أنّ التطبيق على أرض الواقع يكشف عن جوانب من الجهل والاستخفاف من طرف بعض المقبلين على الزواج الذين يعتبرون تلك الفحوصات مجرد عائق اداري وقانوني يريدون ان يتجاوزوه كما يتجاوزون إشارة المرور أو صف الانتظار (وبأي طريقة ممكنة),  كما يكشف عن تساهل بعض الجهات الصحية نفسها. ومع غياب قانون واضح يمنع الزواج في حالة تشخيص الامراض الخطرة , يتناسى الجميع النتائج الكارثية… المؤجلة وما يسببه ذلك الجهل والاهمال من علاج طويل ونفقات باهظة وضغوط نفسية واجتماعية وشعور ندم عندما يولد طفل مصاب بمرض وراثي بينما كان الحل بسيطا وغير مكلف.

الفحوصات الطبية قبل الزواج ليست مجرد أوراق رسمية تضاف إلى معاملة عقد الزواج، بل هي صمام أمان للمجتمع, وبين وعي المواطن وحرص المؤسسات يقف مستقبل أجيال كاملة يتهدده خطر كان بالإمكان تجنبه بقطرة دم صغيرة أو تحليل مختبري بسيط.

اميمة ابراهيم السامرائي