ربما لا يعرف الكثيرون أن النفط الصخري مادة عضوية متحجرة اسمها “الكيروجين”، تُستخرج من باطن الأرض بعملية تشبه تعدين الحديد أو الفحم أو الفوسفات أو غيرها.
ولا يمكن الاستفادة منها بهذه الحال، بل لا بد من تحويلها إلى مادة سائلة بعملية تسخين تصل إلى درجات حرارية عالية، بتقنيات حديثة ومكلفة، تستهلك كميات هائلة من المياه والطاقة.
وقد التفت العالم إلى هذا النوع من النفط عام 1973، حينما قطع العرب إمدادات النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، فتوصّل العلماء حينها إلى إيجاد البديل الذي يسد الحاجة وقت الأزمات.
والمفارقة أن عمليات استخراج هذه النفوط تتصاعد كلما ارتفعت أسعار الخام، وتتوقف بهبوطها، لأنها ستكون عندئذ غير اقتصادية. ولا يميل أصحابها إلى استغلالها إلا وقت الشدة، أي حينما يصبح سعر البرميل الواحد أكثر مما ينبغي.
ومعنى ذلك، وبوجود احتياطي كبير من هذه الصخور، أن الأسعار لن ترتفع حتى تهبط ثانية إلى الحضيض! وأن ارتفاع أسعار النفط الخام لا يصب دائماً في صالح الدول المصدرة له، فهناك عامل جديد يعمل على خفضها، وإعادتها إلى أقل مما كانت عليه في السابق.
وإن مناجم النفط الصخري لا تنتشر في كل مكان، بل في مناطق معينة ومتفرقة من العالم، مثل الولايات المتحدة وأستراليا والصين وأميركا الجنوبية. وربما يكون موجوداً لدينا نحن العرب، المصدّرين للنفط، ونحن لا ندري. وهناك في دول أخرى، في أوروبا خصوصاً، يوجد زيت صخري متناثر لا يحتاج استخلاصه إلى عناء كثير، لأنه عبارة عن صخور مشبعة بالزيت ليس إلا.
وإن اكتشاف الكيروجين، الذي كثيراً ما تسبب في خلق مشاكل للدول المصدرة للنفط، وأطاح بأحلام البعض منها، له دلالات كثيرة يجب ألّا تغيب عن البال. وأولها أن الطمع قبيح ومضر، وعلى الدول أن تقنع بالقليل، ولا تعمل على رفع أسعار ثرواتها الكامنة إلا في حدود المعقول.
وثانيها أن الفقر ليس عيباً دائماً، بل إن قلة الدخل لها فوائدها أيضاً، فهي تدفع أصحابها للتفكير في بدائل محتملة، ولا يُكلّف الأغنياء أنفسهم في هذا الاتجاه، لأن لديهم عن “وجع الدماغ” شغلاً!
وثالث هذه الدلالات أن هناك على الدوام أناساً لا يروق لهم تمتع غيرهم بالثروة، فيحفرون تحتهم في باطن الأرض لاستخراج أشياء تُنزلهم من شاهق! وهؤلاء هم وراء ما نعانيه نحن في الدول المصدّرة للنفط من وساوس شيطانية، تدفع بنا أحياناً إلى الحرب، وأحياناً أخرى إلى الاستسلام أو الانتحار!
ورابعها أن من يعتقد أن النفط سينفد من العالم في وقت قريب يقع في خطأ كبير، فهناك بدائل لا تخطر له على بال، تعمل على عدم استنزاف الثروة السائلة، والاقتصاد فيها إلى أبعد الحدود.
أما الدلالة الخامسة، فهي أن الاعتماد على مورد وحيد للدولة سيؤدي لا محالة إلى أزمات عصية على الحل، حتى لو كان هذا المورد سائلاً ثميناً لا يمكن الاستغناء عنه مثل النفط، فهو عصب الحياة، ومصدر الطاقة، وصانع النهضة، ومحرك الاقتصاد، وغير ذلك كثير، لكنه في ذات الوقت ملوِّث للبيئة – وخصوصاً الصخري منه – ومسبب للنزاعات والحروب، والاستغناء عنه، إذا ما حصل، سيكون أفضل هدية يقدمها العلم للبشرية في كل زمان ومكان.
لكن مثل هذا الأمر لم يتحقق حتى الآن، وليست هناك بوادر تشير إلى النهاية المرتقبة له.
ومثلما وجد الآخرون الحل في صخور مطمورة تحت الأرض، أو مسترخية على سفوح الجبال، فإن احتمالات أن نعثر نحن على المزيد من النفط الجاهز الرخيص تتجدد كل يوم.