كربلاء ملتقى الشعوب
جواد العطار
لم يشهد اي تجمع بشري في العالم ما شهدته كربلاء المقدسة هذا العام من تدفق لموجات بشرية مليونية فاقت السنوات الماضية ، مخالفة لجميع التوقعات والتحذيرات متحدية كافة الظروف الجوية من قبة حرارية ودرجات فاقت نصف الغليان ورطوبة مرهقة ، ورغم التحذيرات التي اطلقتها الجهات الصحية المعنية بعدم التعرض لاشعة الشمس المباشرة لم يتوقف المسير نحو مرقدي الامام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام طيلة عشرين يوما ، شيبا وشبابا نساءا واطفالا يقطعون الاف الكيلومترات سيرا على الاقدام نحو قبلة الاحرار في كربلاء المقدسة من جميع الاتجاهات من الداخل والخارج قادمين برا وبحرا وجوا ، حتى وصل عدد الزائرين الى 23 مليونا وفقا لاحصاء مجلس محافظة كربلاء صباح يوم الجمعة 15 اب.
وانتهت الزيارة الاربعينية ولم ينتهي العشق المحمدي الحسيني ولن ينتهي تتابع الزيارات والمناسبات على مدار العام ، ورغم ان العراق له حظوة وكرامة باحتضان واستضافة مثل هذا الحدث الكبير ، الا ان السؤال يبقى: متى تتوحد جهود الدولة في اطار مؤسسي خاص بالمناسبات الدينية؟ وهل التنظيم ايام الزيارة مسألة مستعصية على الدولة بكافة امكانياتها؟.
اسئلة تحتاج اجابات ومعالجات من المسؤولين لعراقيل او تجاوزات بسيطة ممكن ان تحدث بمناسبات اقل من زيارة الاربعين بمئات المرات ، الا اننا نطالب بالافضل دائما.
ان قرار رئيس مجلس الوزراء العام الماضي باستحداث هيئة دائمة للزيارات المليونية بدلا من اللجان السنوية المؤقتة هو قرار مهم في وقتها ، وأن كنا نطمح وما زلنا بإنشاء وزارة للزيارة مثل باقي بعض دول الجوار تنظم امور الزيارة والزوار وتستثمر المناسبة بالشكل الامثل دينيا واقتصاديا وتنمويا وتنظم التفويج والتفويج العكسي الذي يسبب مشكلة كل عام ، وتنسق عمل المواكب ومواقعها وتوفر مستلزمات ديمومتها واستمرارها.
وان كانت هذه الخطوة من رئيس الوزراء في الاتجاه الصحيح الا انه يفترض أن تسبقها خطوات من قبيل: ضرورة نزع السلاح من المدن المقدسة كافة اولا؛. استحداث قيادة عمليات كربلاء والنجف الاشرف بدلا من قيادة عمليات الفرات الاوسط ثانيا؛ وحشد كافة الجهود من جيش وشرطة اتحادية وحشد شعبي ضمن هذه القيادة لزيادة التنسيق بين مختلف القوى الأمنية ثالثا؛ لانجاح الجهود والخروج بأفضل النتائج المرجوة مستقبلا.
لقد نجح العراق مثل كل عام في إدارة هذا الحدث المهم من خلال حشد كافة الطاقات والامكانيات لاستيعاب الموجات المليونية اليومية ، ونجح العراقيين في عكس صورة مشرفة عن بلدهم من خلال كرم الضيافة وحسن الاستقبال والتنظيم للموجات البشرية المليونية الزائرة طيلة عشرين يوما متتالية… وهذا انجاز للشعب العراقي بكافة اطيافه سيكتبه التاريخ باحرف من نور.