قوات بريطانية
سدير فاروق نوري
لم يكن دخول القوات البريطانية إلى بغداد عام 1917 حدثًا عسكريًا فقط، بل شكّل نقطة تحول في البنية الحضرية للمدينة. فمعهم، دخلت الكهرباء لأول مرة إلى الحياة اليومية لسكان العاصمة، لتبدأ مرحلة جديدة من التحول الاجتماعي والاقتصادي.
بعد عام واحد، بادرت السلطات البريطانية إلى توزيع مصابيح كهربائية على بعض البيوت والمناطق المحيطة بالسراي، مقر الإدارة آنذاك، وحددت أسعار استهلاك الطاقة. هذه الخطوة لم تكن مجرد خدمة، بل كانت رسالة رمزية عن “التحديث” الذي أرادت القوة المحتلة أن تُظهره للسكان، في وقت كانت فيه الكهرباء في الشرق الأوسط ترفًا لا يتوفر إلا في المدن الكبرى.
وفي 1921، ومع تنامي الحاجة للطاقة، نصبت القوات البريطانية ثلاث وحدات لتوليد ونقل الكهرباء بمحركات بخارية في القاطرخانة، موجهة الإنتاج لتغذية محلة العباخانة ومستشفى المجيدية ومنطقة العلوية. ورغم أن هذا المشروع لبّى جزءًا من الطلب، فإنه ظل محصورًا في نطاق جغرافي ضيق، ما يعكس البعد السياسي في توزيع الخدمات، حيث ارتبطت الكهرباء بالمناطق ذات الأهمية الإدارية والعسكرية.
لقد مثّل دخول الكهرباء إلى بغداد بداية لتغيرات عمرانية وخدمية واسعة، لكنها أيضًا كشفت عن كيفية توظيف التكنولوجيا كأداة نفوذ، حيث امتزجت الحداثة بالبُعد الاستعماري، تاركة أثرًا طويل المدى على تخطيط المدينة وأنماط حياتها.