الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
 سائق التاكسي في مزاج الأربعين

بواسطة azzaman

وجوه تخلق الحب..

 سائق التاكسي في مزاج الأربعين

عباس الجبوري

 

يبدو هذا النهار الحار يختلف عن غيره من نهارات بغداد.. ربما هو إحساس ذاتي أحاول أن أنشره على وجوه الاخرين لقناعة خاصة لدي ..ورثتها من أباء و(تعشّقتُ) معها..من زمان..

وكانت الشرطة تبحث عنها في الوجوه والقلوب والاسماء..

ولأن الافعال قد إختفت بقرارات سالبة للروح..والحياة

 

يا رب…ايها المعين..

 

سائق التاكسي يردد مع صوت الراديو ترانيم حسينية.. ويتفاعل معها حد الخوف من (غفلة) السيارة واصطدامها..

 

وبقيتُ أتلفتُ طيلة السفرة من أطراف الوزيرية الى ساحة النهضة .. على كل الجهات ..باحثاً عن معطيات ساحرات ٍ للحياة ..عثرتُ عليها ولكن الا الان احاول قطفها ..ولكن بلا جدوى

 

بكيفك(اشتنطيني أنعم الله..) …يستاهل ابو عبدالله.. مأجور..لاتنساني بالدعاء..رحم الله والديك..تلك كلمات السائق (المسحور)..

 

كانت لدي رغبة في (التفاوض )مع سائق التاكسي..نصفها بسبب هذا (المزاج) الذي أسمعه وأراه في ظهيرة جافة..وعلى طريق ملتهب ..ومزدحم بالسراب..

 

هذا (المزاج الحسيني) الذي يعزوه السائق الى موسم الاربعين..وزيارة الحسين ..

كيف يمكن تفسيره وتأويله والعودة به لجذوره..والتحليق معه..حيث هناك..حيث أنت وأنا ربما بلا أجنحة نطير …من فرح القلب الكبير.. والنظرة الحانية..

 

سائق سيارة اجرة ..

في طقس حار..

وأسعار ترتفع ..

يتنازل عن بعض أتعابه ..

لعيونٍ غارت على جرف نهر الفرات..قبل ألف عام..وهو يظن انهاالى الان ..

تجري منها( عينان نضاختان..)..

 

ويردد بشدة(هذا أقل شي) ..

 

وجهٌ يخلق الحب..

وجه هذا السائق الذي صحبته هذا النهار..وأحسست بالفرح .. واشتملني سحر البيان..

والمعنى والمضامين

 

نزلتُ الى كراج النهضة..

كان الجميع يتسابق على كم الاجرة اليوم؟ ..

فيقولون(بكيفك) بكيفك..

وتعني (الخيار لك).. وحسب رغبتك ..

لاحسب التعب والبنزين والمسافات..

 

 

يا ربِّ..

 

هذه الوجوه ..كانت قبل اسبوع تتنافس وتتسابق وتتغالب في مفاوضات حادة ..مكتظة بالقسم واليمين.. والصوت الصاخب والخافت لكي تتم صفقة الاجرة… مالذي تغير اليوم…

وحين تسأل ..لن تجد الا جواب واحد…

الحسين الحسين..كان مطراً ..وكنّا عشباً ينتظر رذاذه قبيل الشمس..لنفرح من رقص العصافير ..

 

وجوه تخلق الحب في موسم الحزن..والدموع

 

وجوه تخلق الحب..

وهي المجروحة قلوبها بسكاكين الذكريات الحادة..وخناجر القسوة والانانية..

 

الى كربلاء..

المسافة مائة كيلو متر…زمن الطريق اليوم سيكون ه ساعات ..

لوجود أنهار الماء ..والعصير..واللبن بموجات تتدافع على المشاة وعلى السيارات وهي تسبح بعرقها ..

وتنضح جلودها ..

 

وموائد ..وسفرات على طول المسافات..(فيها ماتشتهيه الانفس..) ولان الحرارة مرتفعة…فمعدل شهوة الطعام ينخفض..ولا شافي الا الماء.. والبارد منه فقط لعطاشى الدروب اللاهبة..

 

ياالهي…

الكل يطعم فمن يأكل..

الكل يكرم فمن يستلم..

 

ربما يراه البعيد..

تطرف في المزاج العراقي..

وينعته آخر بفخر..

(جنون عراقي)..

 

مالذي (كهرب) هذي الحشود لتنتشر على مسافة الجرح والوطن..

لتعطي ..

فقط لتعطي..

 

(وجوه تخلق الحب..)

 

فقراء وأغنياء

شباب وشيوخ

نساء وأطفال

 

تصادقوا على خلق الحب..

للجميع بموسم الاربعين..

 

هنا تعجز الجمعيات ..والمنظمات والاحزاب ..والدول

 

هنا تختفي العناوين ..الا عنوان واحد..

(زائر الحسين)..

 

وأختفي بين الباكين ..

وأعود لأتنفس ماء الورد..

وأتوقف مع قصيدة( مات الورد)..

ثم أفيق على حيدر البياتي ..

(الى الله..سفرة الى الله)..

 

وعند القنطرة البيضاء كان صوت حمزة الصغير يصل اليَّ منذ عشرات السنين في ملحمة العودة (مرد الرؤوس)..

جابر يا جابر

مادريت بكربلا اشصار

 

وهو سؤال بطعم الاستنكار للجريمة..

 

ويبقى جابر صامتاً لايجيب ..

جابر لايجيب..

لأن المآسي الكبرى (تخرس) العاشقين.. ولأنهم يعرفونها يموتون كل لحظة..كمداً ..

بلا أجراس ..ولا أنفاس..

ولكن..

تعرفهم النجوم..

 

 

 


مشاهدات 50
الكاتب عباس الجبوري
أضيف 2025/08/17 - 2:41 PM
آخر تحديث 2025/08/18 - 8:50 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 260 الشهر 12662 الكلي 11407748
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير