الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جين توقد «شرارة طالباني» مجدّداً.. حكاية أول صحيفة سرية للإتحاد الوطني الكردستاني

بواسطة azzaman

جين توقد «شرارة طالباني» مجدّداً.. حكاية أول صحيفة سرية للإتحاد الوطني الكردستاني

باسل الخطيب

 

تمكن مركز جين (الحياة) للتوثيق والدراسات من إعادة جمع وإصدار صحيفة «الشرارة» الجريدة المركزية السرية للاتحاد الوطني الكردستاني باللغة العربية، في حين اعتبر قيادي بالحزب أن الجريدة شكلت «رمزاً لزمن ثوري».

عمل رائد

وقال مدير المركز رفيق صابر، إن المركز «يسعى لجمع وحفظ وإحياء الصحف والمجلات والمطبوعات التي صدرت باللغة الكردية أو غيرها من قبل الكرد أنفسهم لإسهامها في تطوير اللغة الكردية وإحياء الأدب والتراث الكرديين والمحافظة على كنز من المعلومات فضلاً عن تعزيز مستوى الوعي الشعبي لاسيما أنها مصدراً مباشراً لكتابة التاريخ لما تتضمنه من معلومات غير مسبوقة تغطي مختلف مجالات الحياة»، مشيراً إلى أن المركز «تمكن بعد جهد جهيد وبمساعدة مجموعة خيرة من الأصدقاء من الحصول على أعداد جريدة الشرارة التي أصدرها الاتحاد الوطني الكردستاني باستثناء عدد واحد هو الثاني الذي احترقت نسخه كلها نتيجة تعرضها لقصف الطائرات العراقية سنة 1982 بعيد إصداره «.

وأضاف صابر، أن المركز «أعاد إصدار مجموعة أعداد الشرارة بمجلدين بالتعاون مع بورد التوعیة بمكتب الإعلام والتوعیة للاتحاد الوطني الكردستاني لإتاحتها للباحثين والمهتمين علماً أن العدد الأول من تلك الجريدة السرية صدر في سوريا في تشرين الثاني/ نوفمبر 1975 واستمرت حتى نهاية عام 1991 بعد تبديل اسمها إلى الاتحاد كجريدة مركزية علنية للاتحاد الوطني الكردستاني»، مبيناً أن الإصدار الجديد «أهدي للمرحوم آزاد خانقيني الذي كان أول من قام بجمع وحفظ وتوثيق ما طُبع ونُشر من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني من كتب وصحف ومجلات بعد انتفاضة ربيع 1991 بإشراف السيدة هيرو إبراهيم أحمد (زوجة جلال طالباني) ضمن مشروع أرشيف الثورة الذي توقف للأسف الشديد بعد وفاته».

وذكر صابر، أن المركز «أضاف شروحات وهوامش توضيحية وتفاصيل تتعلق بالأعلام والأماكن والأحداث التي وردت في الصحيفة وبوب افتتاحياتها وأدرج السيرة الذاتية للمساهمين الرئيسيين فيها إعماماً للفائدة»، لافتاً إلى أن القيادي بالاتحاد الوطني الكردستاني فريد أسسرد الذي كان من كوادر إعلام الحزب سابقاً «كتب قراءة تحليلية مسهبة عن الصحيفة وما رافق صدورها من أحداث اعتماداً علی ذكرياته ومشاهداته».

من الشرارة يندلع اللهيب

من جانبه استعرض فريد أسسرد، القيادي الحالي في الاتحاد الوطني، والكادر المتقدم في إعلام لحزب خلال نضاله السري، جوانب تفصيلية من مسيرة «الشرارة» بدءاً من فكرة تأسيسها من قبل الراحل جلال طالباني، لتكون المعبرة عن أفكار الحزب «غير التقليدي» الذي أسسه بعد انهيار الثورة الكردية بفعل اتفاقية الجزائر عام 1975، ليكون أشبه ما يكون بجمعية وطنية أو ائتلاف وطني أو جبهة شاملة، يسمح بالتعددية الفكرية وتعايش الآراء، ويتسع للتيارات الوطنية كلها، لذلك أطلق عليه تسمية «الاتحاد الوطني».

تحقيق طموح

وأورد أسسرد، أن طالباني اختار لجريدته اسم «الشرارة» للدلالة على الظروف الصعبة التي كان يواجهها الثوريون الكرد في تلك الحقبة، ولتسهم في تحقيق طموحه باستئناف الثورة المسلحة مجدداً في كُردستان والتعبير عن توجهاتها السياسية. وأنه أكد أنَّ الثورة «ستبدأ بشرارة صغيرة وتنتشر لاحقاً في كل مكان»، من هنا قرّر أنْ يطلق على جريدة الحزب اسم الشرارة ووضع تحتها الجملة المأثورة «ومن الشرارة يندلع اللهيب».

وأن طالباني، كان يدرك بشأن ارتباط اسم الصحيفة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش، أو تلك التي أصدرها الحزب الشيوعي السوفيتي أيام زعيمه لينين، حيث خضع اسم الجريدة «لمتطلبات أيديولوجية وكان منسجماً كل الانسجام مع المتطلبات البراغماتية بالنسبة لمنظمة تجهد لاستئناف الكفاح المسلح وتولي هذه المسألة أقصى درجات الأهمية».

وأضاف أسسرد، أن الشرارة «قدّمت طروحاتها اليسارية بأكثر الوسائل اعتدالاً ودون أنْ تدعم آراءها بمقتطفات طويلة مستله من الأدبيات الثورية مثلما كان يفعل الشيوعيون»، معتبراً أن انهيار الثورة الكُردية المفاجئ سنة 1975 كان «العامل الأكثر انعكاساً على الخطاب السياسي للشرارة في دورتها الأولى وأنها التزمت بالدعوة إلى نظرية مفادها أنَّ خيار انهيار الثورة بعد إبرام معاهدة الجزائر لم يكن حتمياً وأنه كان هناك متسعاً لاختيار خيارات أخرى غير إنهاء الثورة واللجوء إلى إيران وتسريح قوات البيشمركة وانَّه كان بالإمكان مواصلة الثورة بعد إجراء تعديلات على اسلوب إدارتها والتحول من استراتيجية الاعتماد على الدعم الإيراني إلى استراتيجية الاعتماد على الذات».

يذكر أن الدورة الأولى للصحيفة، تضمنت ثمانية أعداد طُبعت كلها في دمشق. وأنه لم تكن لها في بداية انطلاقها هيئة تحرير بالمعنى المتعارف عليه، إذ تولى طالباني بنفسه مهام رئيس التحرير، كما لم يكن لها هيئة تحرير بالمعنى التقليدي، لكنَّه كان إلى جانب طالباني مشاركون فاعلون في بداياتها، حيث عمل الرواد الاوائل بنكران ذات ولم يضعوا اسماءهم على المقالات التي نشروها في الشرارة وتحول ذلك بمرور الزمن إلى تقليد متعارف عليه.

وركز طالباني في البداية، بحسب أسسرد، على كتابة افتتاحيات الجريدة، فمن مجموع ثمان افتتاحيات في الدورة الأولى، كتب طالباني سبعة منها، كما تولى د. فؤاد معصوم عملياً المهام الملقاة على مدير التحرير في الصحافة الاعتيادية.

واسهم في كتابة الافتتاحيات والمقالات وصياغة الأخبار وترجمة بعض المقالات المعدّة خصيصاً للشرارة من الكُردية إلى العربية، وأشرف على تصميمها وتصحيح أخطاء الطبع فيها، ومارس كذلك دور المشرف على الطبع، وتحول معصوم لاحقاً إلى رئيس التحرير الفعلي لانشغال طالباني بمهام سياسية ودبلوماسية عديدة.

واستعرض أسسرد، التفاصيل المتعلقة بكيفية إيصال الشرارة إلى الداخل العراقي والعاصمة بغداد خصوصاً، من خلال تجار ورجال أعمال على علاقة بكوادرها. كما استعرض الصعوبات التي اعترضت طريقها لاسيما قلة المحررين، حيث أدى ذلك إلى صدور عددين منها فقط عام 1977، وفي عام 1978 صدر منها عدد واحد فقط، أصبح في نهاية المطاف العدد الأخير من الدورة الأولى.

من الأيديولوجيا إلى البراغماتية السياسية

وعلى الرغم من خطابها اليساري والإشارات الضمنية الواردة في بعض مقالاتها التي تعتمد على البنية الايديولوجية الماركسية، إلا أن الشرارة «حافظت على خطابها الوطني واعطته الارجحية على خطابها اليساري ولم تتحول قط إلى جريدة ماركسية بالمعنى المتعارف عليه»، لكن التزام الشرارة بالطروحات الثورية المنبثقة من المفهوم الماركسي «شهد تراجعاً ملحوظاً» بالتدريج ويمكن أنْ نلحظ أنَّ الأيديولوجيا كمرشد للسياسة «فقدت فعاليتها مع توقف الشرارة عن الصدور في عام 1978 ولم تعد في دورتها الثانية التي بدأت في عام 1979 تتطلع إلى جعل الأيديولوجيا مرشدة وحيدة للسياسة كما كان الحال في الدورة الأولى».

 وقد تبنت الشرارة في دورتها اللاحقة «خطاباً براغماتياً أكثر اعتدالاً»، حيث جرى «تحويل الأيديولوجيا إلى قوة مادية»، أمّا في الداخل فإنّ المتطلبات البراغماتية الداعمة لاستئناف الكفاح المسلح دفعت الخطاب السياسي إلى إبداء مرونة أكثر وانتهاج خط أكثر اعتدالاً.

وأصبح د. فؤاد معصوم، رئيس تحرير الصحيفة الفعلي اعتباراً من العدد الصادر في آذار 1976 وإلى جانبه أسهم كلٌ من نوشيروان مصطفى وعادل مراد، وهما من أعضاء الهيئة المؤسسة للاتحاد الوطني الكُردستاني، بقسط جيد من الكتابة للشرارة.

السعي لتعريق الثورة

وبعد تعرض الاتحاد الوطني الكردستاني لمصاعب جمة سنة 1978، جاء الفرج في شباط/ فبراير 1979، متمثلاً بانهيار نظام الشاه في إيران ليشكل «الفرصة الحقيقية» للبدء بنشاط إعلامي مكثف حيث انهارت الأسوار التي تقيد انطلاقه للعمل في ظروف أفضل. ففي آذار/ مارس 1979 بدأ بث إذاعة «صوت الاتحاد الوطني الكردستاني» من قرية «نوكان» على الحدود العراقية – الإيرانية، التي تقرر لاحقاً تغيير اسمها إلى «إذاعة صوت الثورة العراقية» التزاماً بسياسة التجمع الوطني العراقي الذي كان الاتحاد الوطني الكُردستاني ينتمي إليه. في هذه المدة بالذات شكل الحزب أول مؤسسة للإعلام.

وأشرف طالباني بنفسه على العدد الذي دشن الدورة الثانية للشرارة، ومارس مهام رئيس التحرير. وإلى جانبه أسهم كل من د. فؤاد معصوم وفريد أسسرد في الكتابة للعدد الأول من الدورة الثانية، الذي غلب عليه تفاؤل كبير يعكس ابتهاج الحزب بسقوط نظام الشاه ونجاح الثورة الإيرانية. وقد اهتم العدد بموضوعة «تعريق الثورة»، وهي نظرية تطلَّع الاتحاد الوطني الكُردستاني إلى إنجازها منذ عام 1975، وقصد منها أنَّه إذا كان «الهدف من الثورة هو إسقاط النظام العراقي، فإنَّ ذلك لا يمكن أنْ يتم بالاعتماد على إمكانات الثورة الكُردية وإنّ الحل يكمن في تعميم النشاط الثوري على العراق كله وليس اقتصاره على كُردستان». ولأهمية هذا الموضوع، فإنَّ «الشرارة» في دورتها الثانية وكذلك في الثالثة شددت على ضرورة تحقيق هذا الهدف باعتبار انَّه «يشكل الهدف الاستراتيجي للمعارضة العراقية».

ولم يصدر من «الشرارة» في دورتها الثانية سوى عدد واحد، وهو العدد الذي طبع في مدينة «سقز» الإيرانية. وكان يفترض أنْ يعقب العدد الأول من الدورة أعدادٌ أُخرى، بيد أنَّ اندلاع الحرب في كُردستان الإيرانية وسيطرة القوات الإيرانية على كل المدن والقصبات الكُردية، عرقل إمكانية الاستفادة من الوضع الذي كان قائماً على فراغ السلطة في المناطق الكُردية من إيران.

وبعد توقف دام ستة أشهر، عادت «الشرارة» إلى الظهور في بداية عام 1980. وكتب طالباني أكثر مقالاته. وفي ذلك العدد أشارت «الشرارة» إلى إقدام الحكم العراقي على إعدام سماحة الإمام آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وشقيقته، وأدانت هذه الجريمة واعتبرت ذلك «خروجاً على التقاليد الإسلامية والعربية التي تدعو لاحترام رجال الدين، خاصة أمثال الشهيد الصدر المعروف بسعة علمه ووطنيته»، ورأت في ذلك الإجراء «مرحلةً جديدةً في تشديد الإرهاب والوحشية ضد اخواننا الشيعة العراقيين».

وفي عددها الصادر في أيار/ مايس 1980، رفعت «الشرارة» شعاراً جديداً مؤلَّفاً من ثلاث فقرات تمثل في الاستقلال للعراق» و»الديمقراطية للشعب» و»الحكم الذاتي لكُردستان»، إلى جانب شعارها الذي اتفقت عليه مع باقي قوى المعارضة العراقية والمتمثل بـ»النضال الجماهيري الثوري المتلاحم مع سائر القوى التقدمية العراقية في جبهة وطنية ديمقراطية سبيلنا لإسقاط الفاشية وانقاذ الشعب من آثامها والاتيان بحكم الائتلاف الديمقراطي وانجاز التحرر من الاستعمار الجديد وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي للعراق».

تداعيات الحربين الأهلية والعراقية الإيرانية

وعانت «الشرارة» من تداعيات الحرب الأهلية بين الفصائل الكردية والحرب العراقية – الإيرانية، وعاشت ظروفاً في غاية الصعوبة حتى صارت تُصدَر في فترات متباعدة، خصوصاً بعد انتقال الحربين إلى محيط منطقة القيادة. كان وراء تأخر صدورها أسباب تقنية. وتوقفت عملياً. وفي أواخر عام 1981 شكل طالباني لجنةً للعمل على استئناف طبع الجريدة، تألفت من: أرسلان بايز، فريد أسسرد، آزاد چالاك، ريكوت عثمان مجيد ويوسف زوزاني.

وفي عام 1982 استأنفت «الشرارة» نشاطها في ظروف بالغة الصعوبة وتولى طالباني بنفسه رئاسة تحريرها، وصدر من هذه الدورة ما لا يقل عن أربعة أعداد في أوقات متباعدة.

وعارضت «الشرارة» في هذه الدورة نظرية «تصدير الثورة» إلى العراق، ورأت أنَّ تأييدها لمبدأ اسقاط النظام «لا يقتضي قبول كل الخيارات وأنَّ قبولها بشكل مطلق يعد مجازفة خطيرة»، وأكدت من جديد تأييدها لتشكيل «جبهة وطنية شاملة تسد الطريق على القوى الرجعية والطائفية». ودعت الى «حكم ائتلافي ديمقراطي» واعتبرت أنَّ الائتلاف الديمقراطي يشكل «البديل الوحيد للحكم الدكتاتوري».

في ذلك العام، انضم إلى هيئة تحرير «الشرارة» شاب عربي من الموصل، يدعى فائز يونس، تولى عام 1983 اصدار دورة جديدة من «الشرارة»، حيث تبنى أسلوباً انتقادياً يستند في مقالاته على منظور سياسي يعتمد الحوارات المعمقة والصريحة.

وفي أواخر عام 1984، أوقف الاتحاد الوطني الكُردستاني حملاته الإعلامية، بما في ذلك جريدة الشرارة، بعد اتفاقه مع بغداد على هدنة للتوصل إلى اتفاق سياسي محتمل. ومنحت فرصة نادرة للدبلوماسية لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى سلام عادل. لكنَّ ذلك لم يتحقق. وفي كانون الثاني/ يناير 1985 نشرت «الشرارة» بيان الاتحاد الوطني الكُردستاني بشأن إنهاء المفاوضات مع بغداد، بينت فيه أنَّه «كلما استشعرت الحكومة العراقية تحسُّن ظروفها وتزايد عوامل قوتها، كلما تراجعت عن وعودها وتعهداتها، لا بل واستشرست حملاتها القمعية ضد مواطني كُردستان».

وركزت «الشرارة» في أعدادها الصادرة بعد انهاء الهدنة، على مدى التدمير الذي تعرضت له المناطق الكُردية بسبب الحرب. ونشرت في شباط عام 1986 تقريراً مفصلاً عن حجم الدمار الذي احدثه الاستهداف المستمر للقرى الكُردية بالمدفعية الثقيلة وسلاح الجو.

في تلك الدورة الجديدة للشرارة، تولى يوسف زوزاني، رئاسة تحريرها، ولكنَّ في أوقات متفرقة ومتباعدة تولى الدكتور فؤاد معصوم وفريد أسسرد بشكل مؤقت إصدار بعض أعدادها. وأنضم إلى هذه الدورة من «الشرارة» سامي شورش الذي تولى إدارة شؤون مطبعة الحزب لمدة قصيرة، لكنَّه لم يكتب إلاّ ما ندر للشرارة، بل تولى اعداد الملحق الخاص بفعاليات قوات البیشمركة، كما شارك الاخوان: آزاد رفيق چالاك وقارمان رفيق چالاك في الكتابة لتلك الدورة من «الشرارة».

توظيف العامل الدولي

بالتزامن مع قرار إنهاء المفاوضات مع بغداد، قرّر الاتحاد الوطني الكُردستاني إجراء تغيير في اسم اذاعته من صوت الثورة العراقية إلى «إذاعة صوت شعب كردستان». وبدءاً من من منتصف الثمانينات، يمكن أنْ نلاحظ تزايد الميل داخل قيادة الاتحاد الوطني الكُردستاني لتوظيف العامل الدولي في خدمة الأهداف السياسية.

في أول عدد من عام 1986، اعتبرت «الشرارة» في أول مانشيت لها في ذلك العام، أنَّ عام 1985 كان «عام الصمود والبطولة» وانَّ قوات البيشمركة أدتْ فيه واجبها على أكمل وجه. وفي أول افتتاحية لها في ذلك العام، وقد نشرت تحت عنوان «مهماتنا الأساسية» افصحت «الشرارة» عن جوهر رأيها في المحاولات المبذولة لإيقاف الحرب العراقية -الإيرانية، وقالت ما مضمونه أنَّها لا تقف ضد وقف الحرب واعتبرتها منذ البداية حرباً «غير مقدّسة وغير عادلة تضر بشعبي العراق وإيران». لكنَّ «الشرارة» ظلت منذ البداية ترفض منح النظام «خروجاً آمناً من الحرب دون دفع الثمن»، ورأت أنَّ هذا هو الصواب وهو ما يسمح للعدالة بأنْ تأخذ مجراها.

انضم إلى قائمة المساهمين في إصدار «الشرارة» في تلك المرحلة كل من: عباس البدري، فرياد رواندزي والسيدة بيريڤان دوسكي. في أول عدد يصدره البدري بصفته رئيساً لتحريرها.

التركيز على الإذاعة

وبدءاً من كانون الثاني 1991، قرر الاتحاد الوطني ايقاف كل الصحف السياسية الصادرة عنه ودمج كل المؤسسات الإعلامية في مؤسسة الإذاعة. واتخذ ذلك القرار على أساس أنَّ الصحف يستغرق وصولها إلى مناطق الانتفاضة وقتاً طويلاً، امّا الإذاعة فإنها تقتحم كل البيوت وتفتح كل الأبواب المغلقة بأسرع وقت.

ومع توقف جريدتي «الشرارة» و «رێبازى نوێ» الكُردية، انتقل العاملون فيهما إلى الإذاعة واندمجوا مع الكوادر العاملة هناك وعملوا كمذيعين وكتاب وصحفيين ومُعدِّي تقارير ومراسلين وأسهموا في تحويل اذاعة صوت شعب كُردستان إلى «إذاعة الانتفاضة» وهو الاسم الذي شاع خلال الانتفاضة. بذلك توقفت «الشرارة» مؤقتاً عن الصدور وصار العدد الثاني عشر من السنة السادسة عشرة الصادر في كانون الأول 1990 عددها الأخير، قبل أنَّ تستأنف رحلتها بعد ما يقارب التسعة أشهر.

وفي آب 1991 تقرّر العمل على إعادة إصدار «الشرارة»، وكلِّف عباس البدري للمرة الثانية برئاسة تحريرها لدورة جديدة، ستكون الأخيرة. في ذلك الوقت، كان مكتب الإعلام يقيم في إحدى ثكنات الجيش العراقي في بلدة «گلاله» شمالي محافظة أربيل. وخرج العدد الأول بمانشيت عريض يقول: «كركوك قدس كُردستان». تلك كانت إشارة إلى أنَّ كركوك تعد عند الأكراد في منزلة القدس عند الفلسطينيين. لكنَّ هذا كان شقه الأول، وكان هناك ثاني وثالث. يقول الشق الثاني: «محنة الأكراد الفيليين محنة كُردية عراقية». أمّا الشق الثالث فيقول: «الايزيديون أكراد والتركمان والاثوريون جزء عزيز من شعب كُردستان».

التحول نحو النشاط السلمي المدني

وعاصرت الدورة الثامنة من الشرارة، تحولاً هاماً في المجتمع الكُردي، هو التحول نحو النشاط السلمي المدني. لم يعرف الأكراد هذا النشاط من قبل، إلاّ في أضيق الحدود. فقد ظهرت في كانون الأول 1991 حركة اضراب عن الطعام تطالب بتطبيق قراري الأمم المتحدة المرقمين 688 و706 وتوسيع الرقعة الأمنية لتشمل خط العرض 35. وخصصت «الشرارة» عددها السادس كلَّه لتغطية أكبر نشاط مدني في التاريخ الكُردي. ساندت «الشرارة» ذلك الإضراب واعتبرته «انتفاضة الخبز والأمان والسلام»، ورأت أنَّ هذه التسمية «متطابقة تماماً مع الأهداف المعلنة للمضربين الكُردستانيين».

وانتقلت «الشرارة» من گلاله إلى أربيل، وقد طُبعت كلُّ اعداد دورتها الأخيرة في مطبعة جامعة صلاح ‌الدين في أربيل. وتمثل الأعداد الصادرة في هذه الدورة مرحلة انتقالية من الصحافة الثورية إلى الصحافة المدنية. وبالإمكان ملاحظة الخطوط العامة لتلك المرحلة الانتقالية من خلال الإكثار من اعتماد تقنية الأعمدة الصحفية والاقلال من نشر المقالات المطوَّلة ووضع اسماء كُتَّاب المقالات عند الاقتضاء والكف عن نشر مقالات حماسية لا لزوم لها.

ولم يصدر أي عدد آخر بعد العدد السابع الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 1991. كان مصير «الشرارة» قد حُسم قبل ذلك وتقرر إيقافها. في 24 تشرين الأول 1992 صدر العدد التجريبي من صحيفة الاتحاد في أربيل وأُسندت رئاسة التحرير إلى آخر رئيس تحرير لصحيفة «الشرارة» المرحوم عباس البدري. كان ذلك إيذاناً بالتطبيق العملي للانتقال من العصر الثوري إلى العصر المدني بكل مقوماته، بدءاً بتغيير الاسم وانتهاءً بتغيير المحتوى واستيعاب متطلبات المرحلة. وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1992 صدر العدد الأول من صحيفة الاتحاد لتكمل المشوار.. لاسيما ان «الشرارة» تشكل «رمزاً لزمن ثوري وأنَّه قد لا يلائم حقبة ما بعد الثورة»، بحسب أسسرد.

يذكر أن المساهمين الرئيسيين في تحریر «الشرارة» هم كلاً من جلال الطالباني، فؤاد معصوم، نوشیروان مصطفی أمین، عادل مراد، فرید أسەسرد، فایز یونس الخياط، یوسف زوزاني، عباس البدري، آزاد رفیق چالاك، سامي شورش، فریاد رواندوزي، قارمان رفیق چالاك، کاروان بادیني وبيريفان مصطفى دوسكي.

 


مشاهدات 170
الكاتب باسل الخطيب
أضيف 2025/08/16 - 11:53 PM
آخر تحديث 2025/08/17 - 6:06 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 567 الشهر 12180 الكلي 11407266
الوقت الآن
الأحد 2025/8/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير