الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من جنيف إلى بغداد.. كيف يمكن أن تؤثر معاهدة البلاستيك على العراق ؟

بواسطة azzaman

من جنيف إلى بغداد.. كيف يمكن أن تؤثر معاهدة البلاستيك على العراق ؟

جاسم عبد العزيز الفلاحي

 

من الخامس إلى الرابع عشر من آب/أغسطس، تستضيف جنيف جولة مفاوضات حاسمة ضمن المسار الأممي لصياغة معاهدة دولية ملزمة لمكافحة التلوث البلاستيكي، بما في ذلك في البيئة البحرية. هذه الجلسة، المعروفة بـ INC-5.2، تجمع وفودًا من مختلف دول العالم لاستكمال النقاش حول بنود الاتفاقية، قبل الانتقال إلى المرحلة النهائية التي ستحدد ما إذا كنا سنشهد ولادة أداة دولية قادرة فعلاً على مواجهة هذا التحدي العالمي.

وفد سياسي

العراق، الذي يشارك حاليًا في هذه الجلسة عبر وفد فني متخصص رفيع المستوى، يستعد أيضًا للمشاركة بوفد سياسي يقوده معالي وزير البيئة، في رسالة واضحة تعكس حرص الدولة العراقية على أن يكون صوتها حاضراً ومؤثراً في هذه المفاوضات التي تحمل أبعادًا بيئية واقتصادية وسيادية.

قد يسأل البعض: ما علاقة العراق بهذه المفاوضات، وهو ليس دولة ساحلية واسعة الشواطئ ولا من كبار منتجي البلاستيك؟

الجواب بسيط: التلوث البلاستيكي لم يعد مشكلة محصورة بالمحيطات. في العراق، نجد أثره في مياه دجلة والفرات، وفي السدود، وفي شبكات الري، بل وفي أسواق الأسماك والخضار التي نتعامل معها يوميًا. جزيئات البلاستيك الدقيقة (Microplastics) أصبحت جزءًا من بيئتنا الغذائية والمائية، وهي تدخل أجسادنا بصمت، بما يحمله ذلك من تهديدات صحية واقتصادية.

من منظور وطني، فإن أي اتفاق دولي للحد من التلوث البلاستيكي يحمل أبعادًا مباشرة وغير مباشرة على العراق. أولًا، لأننا دولة نامية تحتاج إلى الدعم الفني والمالي لتطوير أنظمة إدارة النفايات، وهذا الاتفاق قد يفتح أبوابًا جديدة للتمويل ونقل التكنولوجيا.ثانيًا، لأن العراق، كدولة زراعية تعتمد على موارد مائية محدودة، يحتاج إلى حماية هذه الموارد من التلوث، خصوصًا مع الضغوط المناخية المتزايدة.

معايير جديدة

وثالثًا، لأن الاتفاق قد يفرض التزامات على جميع الدول، ما يحتم علينا منذ الآن تقييم جاهزيتنا ووضع خطط للتكيف مع أي معايير جديدة.لكن التحدي الأكبر ليس في النصوص التي ستكتب في جنيف، بل في كيفية تطبيقها على أرض الواقع. العراق بحاجة إلى رؤية واضحة لإدارة النفايات البلاستيكية، تبدأ من المنبع عبر الحد من المنتجات أحادية الاستخدام، وتشجيع البدائل الصديقة للبيئة، وتطوير البنية التحتية لإعادة التدوير.

كما نحتاج إلى تشريعات أكثر صرامة، وآليات تنفيذ فعالة، وحملات توعية مستمرة تصل إلى كل بيت ومدرسة وسوق.

المفارقة أن هذه المعاهدة، التي تُناقش على بعد آلاف الكيلومترات من بغداد، يمكن أن تكون فرصة لنا لا تهديدًا. إذا أحسنا استثمارها، قد تتحول إلى منصة تعاون إقليمي بين دول المنطقة لتبادل الخبرات وبناء شراكات في مجالات الاقتصاد الدائري (Circular Economy) والابتكار البيئي. أما إذا تعاملنا معها ببرود، فقد نجد أنفسنا أمام التزامات دولية لا نملك القدرة على تنفيذها، أو أمام فرص ضاعت لأننا لم نستعد مبكرًا.

ومن واجبنا، كصناع قرار ومؤسسات مجتمع مدني وأفراد، أن نكون جزءًا من الحل العالمي، وأن ندرك أن حماية بيئتنا ليست ترفًا سياسيًا أو اقتصاديًا، بل مسألة بقاء.

وهنا لا بد من إضافة مهمة تستحق التوقف عندها: العراق دولة نفطية، والبلاستيك هو في جوهره أحد منتجات الصناعات البتروكيميائية القائمة على الوقود الأحفوري. ومع التوجه العالمي المتسارع نحو تقليل الاعتماد على النفط والغاز، والضغط المتزايد لتقنين إنتاج المواد البلاستيكية، فإن معاهدة جنيف – وإن كانت بيئية في ظاهرها – قد تحمل انعكاسات اقتصادية عميقة على دول تعتمد اقتصاديًا على هذا القطاع، كالعراق.

ففي الوقت الذي نطالب فيه بعدالة مناخية وتمويل مستدام، يجب أن نحمل أيضًا رؤية اقتصادية واضحة تراعي مصالحنا الوطنية. ذلك لا يعني التراجع عن الالتزامات البيئية، بل السعي لدمج مسار التحول البيئي مع حماية ركائز الاقتصاد الوطني. وهنا تكمن أهمية أن يكون صوت العراق حاضرًا، ليس فقط كمتأثر، بل كمفاوض يدرك تعقيدات التحول العالمي، ويطرح حلولًا متوازنة تجمع بين الحفاظ على البيئة وضمان أمنه الاقتصادي والسيادي.

  الوكيل الفني لوزارة البيئة العراقية

 

 


مشاهدات 89
الكاتب جاسم عبد العزيز الفلاحي
أضيف 2025/08/06 - 2:52 PM
آخر تحديث 2025/08/07 - 6:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 171 الشهر 4610 الكلي 11399696
الوقت الآن
الخميس 2025/8/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير