نشوة دخان.. الذهب الأخضر
نزار محمود
في كثير من محطات المترو في برلين تشاهد اعلاناً جدارياً كبيراً يروج لشراء مواد زراعية لشركة متخصصة تحت عنوان: الذهب الأخضر! نعم منذ اقدم الأزمنة، وما يزال الأمر، تحظى كلمة: ذهب، بوقع متميز على الاذن وفي النفس. هل هناك من انسان لا يحب الذهب؟ حتى اننا لا نؤمن تماماً بأي عملة الا اذا جاءت الاشارة الى ان الذهب غطاءها، وهو أمر بات منذ عقود من الزمن وهماً، بعد أن تنصلت الولايات المتحدة الامريكية مطلع السبعينات عن استبدال دولاراتها بالذهب الذي كان قد أكسب عملتها الثقة العمياء بأن دولارها جيد كالذهب، لكنه خدع الجميع!
منذ عقود نسمع كذلك بأنهم يطلقون على النفط اسم: الذهب الأسود، لأهميته الاقتصادية الكبيرة، لا بل ورحنا نسمع كذلك بالذهب الازرق، تعبيراً عن الماء، لا سيما بالنسبة للدول التي ليس لديها كميات كافية منه. أما اليوم فيفاجئنا اسم: الذهب الأخضر! فماذا يعنون به؟
الاعلان الجداري لشركة زراعية يعرض صورة رجل ثلاثيني ذو شارب أسود يبتسم بفرح ترويجي، وهو يحمل نبتة خضراء تقوم في تراب سندان صغير. المخاطبة الترويجية تختصرها عبارة تحفيزية لشراء بذور نبتة زراعية من أجل الحصول على نشوة استخدامها العالية وذلك من خلال الرعاية الذاتية لها في المنزل.
ربما احتاج المرء للحظات لفهم المعني في الاعلان لكنه لا يتأخر في الوقوف على ذلك: انه اعلان لترويج شراء بذور مادة الحشيش الذي سمح به الآن في اكثر الدول الاوروبية ومنها المانيا وفق كميات محددة، وهو ما يشير اليه الاعلان كذلك في شرعيته القانونية!
هذا الاعلان اخذ يجر بذاكرتي الى الماضي ليس البعيد، حين كان يزج بالسجن من يعثر عنده على شيء من الحشيش ناهيك عن الأحكام الثقيلة لمروجيه. وهكذا رحت استحضر مشاهد فيلم: ثرثرة فوق النيل، الذي قام على رواية الكاتب المصري والحائز على جائزة نوبل للآداب لاحقاً، نجيب محفوظ، وكيف تعرض مشاهد الفلم الضياع وأعمال الخطيئة والانفصام لشخصيات جلسات تناول الحشيش. كما لم تغب عن ذهني حكاية تخزين القات في اليمن.ومع الأيام وتطور الحياة في تعقيداتها ومتطلباتها النفسية باتت الحاجة الى مواد الراحة والاسترخاء والنشوة والهروب من وجع الواقع أو الحرمان والكبت بكل اسبابها من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية، أمراً لا مناص منه، ولا يمكن الاستمرار في منعه أو انزال العقوبة بمرتكبيه. وبدلاً من ذلك بدأ “التحايل” السياسي والقانوني في التعامل مع توسع ظاهرة تناول الحشيش، لا سيما بين صغار السن، من أجل احتوائها وانقاذ ما يمكن انقاذه جراء تداعياتها.
بدأوا بالحديث عن مقاهي ومراكز متخصصة سواء في تناول الحشيش أو مصادر الحصول الشرعي والصحي منه، وكذلك عن كميات التعامل به أو حتى استخدامه.
ويأتي الاعلان الترويجي اليوم في زراعة الحشيش وإنباته ذاتياً وداخل المنزل ما يشبه قفزة في عالم حرية تناول الحشيش كالسجائر!