صناعة القبح.. حِينَ يُزيَّفُ الجَمَالُ بِصَوْتِ الضَّجيجِ
عبدالكريم الحلو
مقدمة :
"كيف يتم صناعة القبح "
* لنبدأ بالتفكيك:
* من أين جاءت هذه الشتائم التي تتجوّل بيننا بلا خجل؟
* من علّم أطفالنا أن الفظاظة شجاعة، وأن القبح “ترند”؟
* من حوّل الألسن إلى خناجر،؟
* والكلمات إلى نفايات لفظية تُلقى في وجه كل مختلف؟
* نعم ، لم تعد البذاءة مجرّد زلّة لسان، بل “صناعة” كاملة الأركان… تُدعم، وتُسوّق، وتُضخُّ في وعي الشعوب كما تُضخ المخدّرات، لكن بعبوة لغوية وبإخراج ترفيهي !
* كارثتنا الكبرى ، نعيش غزوا لغويًّا مموّهًا، ليس هدفه تدمير نحوٍ أو صرف ، بل اغتيال الإنسان من الداخل.
* نحن لا نواجه كلمات فقط، بل قنابل صوتية تُفجّر الذوق العام، وتحوّل الحوار إلى سوقٍ للصفاقة.
* كلماتي لكم ليست مجرد ملاحظات لغوية، إنها إعلان ( حالة خطر )
* فلنفتح سويةً هذا الملف الشائك ولنطرح السؤال الأخطر :
* من يصنع الكلمة البذيئة؟
* ومن يموّلها… ويصدّرها ؟
* من هذا الذي يضحك علينا و يراها تنتشر كالنار في هشيم الوعي؟
???? أولًا:
الكلمة البذيئة ليست عفوية
بل صناعة ممنهجة :
--------------------------
* ليست مجرد “ردة فعل غضب” أو “زلة لسان” كما يُروّج البعض، بل هي أداة ضمن منظومة كاملة تهدف إلى تشويه الوعي العام، وتدمير الذوق الجمعي، تمامًا كما تُصنّع المخدرات الذهنية وتُهرّب عبر القنوات الناعمة.
???? من يصنعها؟
* الإعلام التجاري المُوجَّه :
* قنوات تبيع السوقية بوصفها “واقعية”، وتروّج للابتذال باعتباره “حرية تعبير”. تُدخل الكلمات البذيئة إلى الأذن والذوق تدريجيًا، حتى تصبح مألوفة ومحبوبة ومضحكة.
* صنّاع المحتوى الرخيص على السوشيال ميديا:
* بعض “اليوتيوبرز”، و”التيكتوكرز”، ومروّجي المقاطع الساخرة، ممن يعتمدون على الصدمة اللغوية لجذب الانتباه.
* وكلما زاد الانحدار زادت المشاهدات، وكأن البذاءة أصبحت سلّم الصعود السريع.
* الشركات الإعلانية التي تُطبع السوقية:
* الإعلان اليوم لم يعد فقط تسويق منتج، بل تسويق نمط حياة… كثير من الإعلانات تلجأ للعبارات الخادشة، والتلميحات السوقية، باعتبارها “ترندًا” ولغة الجيل.
* الأنظمة الثقافية المُتواطئة أو الغائبة:
* حين تنسحب او تغيب مظاهر القانون من المشهد الحياتي، وتُترك الساحة للمبتذلين، فإن الكلمة البذيئة تجد فرصة ذهبية لتكون “البديل الرسمي”.
???? ومن يُصدّرها؟
* الدراما المتدنية:
* بعض المسلسلات والأفلام الحديثة، حتى العربية منها، صارت تُمرّر الكلمات البذيئة دون صفارة إنذار، بل أحيانًا ضمن مشاهد “كوميدية”، وكأنها تشرعن الشتيمة .
* منصات التواصل المفتوحة:
* تويتر، فيسبوك، تيك توك، وغيرها… صارت حاضنة للشتيمة، بل وتكافئها بالوصول والانتشار، بينما تُخفي أحيانًا المحتوى الهادف أو المعارض بطرق خفيّة.
* المنصات
* الأجنبية التي لا تخضع لمعاييرنا الثقافية:
* جزء كبير من محتوى الجيل اليوم مستورد، يتلقى كلمات نابية من لغات أخرى، ويعيد “ترجمتها شعبيًا”، لتصبح جزءًا من يومياته.
* ضعف الأسرة والمدرسة ودور العبادة:
* حين تغيب مصادر التهذيب، يظهر المستهترون كأنهم “نجم المرحلة”.
???? لماذا؟
* ما الهدف من هذه الصناعة؟
* تدمير الذوق الجمعي:
- فالأمم لا تسقط بالبندقية فقط، بل حين تُسلب قدرتها على قول الجميل .
- تحويل الإنسان إلى كائن ساخر من كل شيء: فلا قداسة لمقدّس، ولا احترام لاختلاف.
- التحكم في الوعي عبر الفوضى:
- جعل الشتيمة تخلق مناخًا مضطربًا، يُلهي الناس عن القضايا الكبرى.
- سلخ اللغة عن قيمها: فالفصحى لغة قرآن، وحضارة، وكرامة… والبذاءة نقيضها.
???? الخاتمة:
الكلمة ليست مجرد صوت… بل قرار
* وحين تُصبح الشتيمة قرارًا عامًا، نكون قد دخلنا عصر اغتيال المعنى، حيث لا يُقدَّر الإنسان إلا بمقدار فظاظته.
* فلنسأل دائمًا:
من يقف خلف هذا التلوث؟
ومن يدفع الثمن؟
نحن لا نخسر مفردات
نحن نخسر أنفسنا
كل شتيمة نسمح بمرورها،
كل بذاءة نضحك لها،
كل محتوى هابط نعيد نشره،
هو سهمٌ صغير في قلب الذائقة
وفي روح الأجيال القادمة.
* فنحن حين تُستبدل الكلمات الراقية بألفاظ سوقية، وحين يصبح “الوقح” نجمًا، و”المؤدب” مادة للسخرية،
* فاعلم أننا لا نعيش حرية تعبير، بل حرية تدمير.
* ليست هذه معركة بين الفصحى والعامية ، ولا بين لغة الجيل ولغة الآباء، إنها معركة بين الوعي والانحدار، بين من يحترم الكلمة، ومن يستخدمها ليرميها في الوحل ويصفّق لها.
فاختر سلاحك:
هل تكون جزءًا من النهوض؟
أم ترضى بأن تكون أداة في يد صُنّاع القبح؟
لأن الكلمة…
ليست فقط ما يُقال،
بل ما يُبنى بها… أو يُهدَم بها.
فلنُقاوِم، ليس بالصراخ، بل بالكلمة الأجمل… الأذكى… والأبقى.
ولنحفر في الوعي حفرة ضوء…
قبل أن تبتلعنا عتمة الشتائم الجماعية.