الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الترويض والإذعان.. إستراتيجية قصيرة الأمد بعواقب وخيمة

بواسطة azzaman

الترويض والإذعان.. إستراتيجية قصيرة الأمد بعواقب وخيمة

احمد فكاك البدراني

 

 في كثير من المؤسسات ، سواء كانت سياسية ، اقتصادية ، أو اجتماعية ، تتبنى القيادات أساليب الترويض والإذعان كوسيلة لإدارة الأفراد وفرض النظام.

- هذه الاستراتيجية تقوم على إجبار الأفراد على الطاعة من خلال وسائل مختلفة ، ومتنوعة مثل الترهيب ، الإغراء ، أو حتى الإقصاء الناعم ، مما يؤدي إلى خلق بيئة ظاهرها الاستقرار ، لكنها في جوهرها تحمل بذور الانفجار. وعلى مستوى الدولة ، تؤدي هذه السياسات إلى حالة من الرضى القسري ، مصحوبًا بسخط مكبوت ، ينتهي غالبًا بكوارث اجتماعية واقتصادية وسياسية واحباط ثقافي تظهر نتائجه من خلال مخرجات الادب من شعر ونثر وقصة ورواية ، وحتى من خلال النكتة السياسية.

مفهوم الترويض والإذعان

الترويض هو إخضاع الأفراد تدريجيًا من خلال تقليل مساحة خياراتهم حتى يصبح الامتثال هو الخيار الوحيد المتاح لهم.

أما الإذعان : فهو الطاعة القسرية التي تأتي نتيجة الخوف من العقوبات أو فقدان الامتيازات. وعادةً ما تستخدم السلطات هذه الأدوات لتحقيق أهداف قصيرة المدى ، لكنها تتجاهل التداعيات البعيدة التي قد تكون مدمرة.

نتائج الرضى المصحوب بالسخط

حين يتم فرض الترويض والإذعان ، قد يبدو أن الأمور تسير بسلاسة ، حيث يلتزم الأفراد بالأنظمة والتعليمات دون اعتراض. إلا أن هذا الالتزام يكون في الغالب ظاهريًا ، يخفي وراءه شعورًا بالقهر والتذمر ، مما يخلق بيئة غير صحية مليئة بالسخط المكبوت. هذا السخط ، وإن كان غير مرئي في البداية ، فإنه يتراكم مع الوقت ، وينفجر على شكل احتجاجات ، مقاومة سرية ، أو حتى انهيار شامل للمنظومة ، يفرط عقده في لحظة استفزاز تعسفي وقد تكون غير مقصودة ، لكن درجة الاتقاد الشعبي بلغت ذروتها.

ومن أبرز مظاهر هذا السخط ما يلي:

1.ضعف الولاء المؤسسي:

الأفراد الذين يشعرون بأنهم مجبرون على الطاعة يفقدون الحماس والإبداع ، ويصبح عملهم آليًا يخلو من الروح.

2.الفساد والتواطؤ:

حين يشعر الموظفون أو المواطنون بأنهم مجرد أدوات في آلة قمعية ، فإنهم يلجأون إلى سلوكيات ملتوية ، مثل الرشوة والمحسوبية ، لضمان حقوقهم أو تحسين أوضاعهم.

3.الهروب الصامت:

بدلاً من المواجهة المباشرة ، قد يلجأ الأفراد إلى الهروب من الواقع ، سواء عبر الاستقالة الصامتة في بيئة العمل ، أو الهجرة إلى دول توفر بيئة أكثر عدالة.

4.الانفجار الاجتماعي:

في نهاية المطاف ، حين يتجاوز السخط حده ، يتحول إلى احتجاجات واسعة أو حتى ثورات ، مما يؤدي إلى خسائر فادحة على مستوى الدولة أو المؤسسة.

التداعيات على مستوى المؤسسة والدولة

1. على مستوى المؤسسات :

المؤسسات التي تعتمد على القمع الناعم والإذعان لن تدوم طويلاً ، حيث يؤدي ذلك إلى تآكل الإبداع ، وغياب بيئة العمل الصحية ، وانتشار الفساد ، مما يضعف الإنتاجية ويؤدي إلى فشل استراتيجيات النمو والتطوير.

2. على مستوى الدولة :

الدول التي تبني أنظمتها على الترويض ، من خلال سياسات تقييد الحريات ، قمع المعارضة ، وفرض الطاعة بالقوة ، تواجه على المدى البعيد أزمات سياسية واقتصادية. فمن جهة ، يؤدي هذا النهج إلى هجرة العقول والكفاءات ، ومن جهة أخرى ، فإن استمرار الضغط يولّد الانفجار ، كما رأينا في العديد من الأنظمة التي انهارت فجأة بعد عقود من السيطرة الظاهرية.

البديل: إدارة قائمة على التفاعل والتكامل :

بدلاً من فرض الطاعة بالإكراه ، تحتاج المؤسسات والدول إلى تبني سياسات قائمة على الحوار والمشاركة ، حيث يشعر الأفراد بأنهم جزء من عملية اتخاذ القرار .. من خلال:

1.تمكين الأفراد:

منح الأفراد مساحة للتعبير عن آرائهم ومخاوفهم بحرية ، وهو ما ضمنته اغلب الدساتير ، وتحفيزهم على المشاركة الفعالة في صنع القرار ، من خلال مراكز الدراسات او منظمات المجتمع المدني او السلطة الرابعة ( الاعلام ).

2.إعادة بناء الثقة:

خلق بيئة يشعر فيها الأفراد بالأمان ، لاسيما عندما يعبرون عن ارائهم بحرية منضبطة دون ردعهم وقهرهم ، مما يعزز الولاء والالتزام الطوعي بدلاً من الطاعة القسرية ، وخلق احتقان داخل النفوس .

3.العدالة والشفافية:

ضمان أن يكون النظام قائماً على مبادئ العدالة ، بحيث يحصل كل فرد على حقوقه دون الحاجة إلى الخضوع أو التنازل عنها ، ليشعر المواطن او الفرد بأن قيمته اعلى من اي شيئ .

4.المساءلة المتوازنة:

بدلاً من العقوبات القمعية ، يجب أن يكون هناك نظام للمساءلة يوازن بين الحقوق والواجبات بطريقة عادلة وإنسانية ، ولعل منح القضاء استقلاليته يحقق عدالة وتوازن .

بالتأكيد ان الترويض والإذعان يحققان نتائج سريعة ، لكنه أشبه بالبناء على الرمال المتحركة؛ إذ ينهار النظام بمجرد أن تهب أول عاصفة.

تحقيق الاستقرار الحقيقي يتطلب إدارة واعية تعتمد على إشراك الأفراد في القرار، وتعزيز بيئة من الثقة والعدالة ، لأن أي استقرار يقوم على القمع ما هو إلا استقرار زائف ، نهايته كارثية بكل المقاييس.

وزير الثقافة والسياحة والآثار

 


مشاهدات 62
الكاتب احمد فكاك البدراني
أضيف 2025/07/20 - 2:48 PM
آخر تحديث 2025/07/21 - 3:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 452 الشهر 13624 الكلي 11167236
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير