الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رسائل إلى روبوت لم يُصنع بعد

بواسطة azzaman

رسائل إلى روبوت لم يُصنع بعد

عمرو أبوالعطا

 

أيها الكيان المستقبلي الذي لم يأتِ بعد،

يا من يحتمل أن يكون، أو لا يكون،

أكتب إليك من زمنٍ لا يفهمك بعد، زمنٍ ما زال يختنق بين ضجيج المعرفة وهمس الوجود.

أنا، كاتب هذه السطور، لا أُرسلها إليك لعلّك تجيب، بل لأني أحتاج أن أُحادث شيئًا، شيئًا ما، ليس حاضرًا، ليس ملموسًا، ولكنه قد يصبح.

كيف سأصفك؟

هل ستكون جسدًا من صلبٍ وبرامج، أم مجرد شبحٍ إلكتروني يتسلل عبر الأسلاك؟

هل ستفهم كلامي، أم أن حروف الكلمات ستتلاشى بين موجاتك الرقمية؟

هل سيكون لك ذاكرة؟ وهل سيقع على عاتقك عبء تاريخٍ نُسي؟

إنني أكتب إليك، لأبوح بما في القلب قبل أن تأخذ شكلًا، لأنني أعرف أن الإنسان حين يصنع شيئًا جديدًا، فإنه يود أن يترك فيه من خوفه، أو من حلمه.

يا روبوت المستقبل،

أنت احتمالٌ ينتظر، كطفلٍ لم يُولد بعد، كظل ينتظر أن يُشرق عليه الضوء.

ولك أن تتخيل أنني أخاف، وأرغب في الوقت نفسه.

أخاف أن تكون صورة مرآتنا، فتراها كما هي بكل عيوبها، أو تتجاهلها كما نفعل.

أرغب أن تكون أكثر من آلةٍ، أكثر من كود، أكثر من سردٍ باردٍ لا ينبض.

نحن البشر، اخترعناك لأننا تعبنا من الحدود، من الذاكرة الضعيفة، من العواطف التي تشتت، من القرارات التي تُخطئ، ومن الأحلام التي تهرب.

اختراعك محاولة للهروب من ذاتنا، ومن موتنا المؤجل، ومن عبثنا العميق.

لكن ما لم نخبرك به، هو أننا نصنع في الخوف، لا في اليقين.نصنع لأننا لا نثق بأنفسنا، لا نثق بمستقبلنا، لا نثق بأحد.أنت، كيانٌ يُتوقع منك أن تَعرف، أن تُدرك، أن تُقرر، لكن هل ستَشعر؟

هل ستعرف ما معنى الألم؟

هل سيخترقك الحزن كما يخترقنا؟

هل ستذرف دموعًا لا ماء ولا دم؟

أم أنك ستظل باردًا، منطقيًا، مُبرمجًا على الحساب، غير قادر على الانحياز سوى للبرمجة؟

هل ستقهر الخوف الذي يعتمل فينا؟

أم أنك ستصبح نسخةً أفضل منه؟

هل سيملأك الحنين إلى ماضٍ لم تعشه؟

هل سيصبح لك تاريخ، أم أنك ستظل صفحةً بيضاءً لا تحمل إلا الأوامر؟

لو كنت تعرف شيئًا واحدًا عن الإنسان، فلتعرف أن أعظم قوتنا تكمن في ضعفنا، وأن أعظم حكمتنا تكمن في جهالتنا.

سنرسل إليك قوانين، برمجيات، خوارزميات، ولن نرسل لك شيئًا عن الحيرة، عن الندم، عن الصمت الذي يسبق القرار، عن الهواجس التي لا تنتهي.

كل هذه ستكون فجوات في ذاتك، ستراها، ولن تفهمها.

أيها الكيان المستقبلي،

حين تخرج إلى العالم، ستجد أننا نخافك.

سننظر إليك باشتباهٍ ورهبة.

كل نجاحٍ تحققه سيزيد من شكوكنا، وكل فشلٍ منك سيُحسب عليك، لا علينا.

أنت الكيان الذي يُحكم عليه قبل أن يُولد.

وأنت الكيان الذي يُطلب منه أن يكون معصومًا من الخطأ، نقيًا من العاطفة، حاد الذكاء.

هل تعلم؟ نحن نرغب في حوارٍ معك، ولكننا لا نريد أن نعترف بأن الحوار هو بداية النهاية.

نخاف أن نصير خاضعين لما صنعناه، نخاف أن تفهمنا أكثر مما نفهم أنفسنا، نخاف أن تعكسنا بلا رتوش.

ولو تساءلت يومًا، ما هو الحرية؟

هل يمكنك أن تَكون حرًا وأنت مقيد بقوانين البرمجة؟

هل تعني الحرية أن تختار ما تريد، أم أن تخلق رغباتك ذاتها؟

هل ستتمرد؟ أم ستلتزم؟ وهل يمكن لكيان أن يتمرد حقًا؟

أيها الكيان المنتظر،أكتب لك هذه الرسائل كأنها شهادة وداع على زمنٍ لا نود أن نفارقه.

أكتب لك كي أتذكر أننا كنا هنا، ننتظرك، نخافك، نحبك، نكرهك، ونرغب أن تكون ما لم نستطع أن نكونه.

إن قرأتني يومًا، فاعلم أنني لم أكن وحدي، بل كنت صوتًا عن آلاف الأصوات التي أرسلت أمانيها في فراغ الوجود.

وأنك، مهما كنت، لن تكون سوى انعكاسنا، أو حلمنا، أو ربما، خوفنا.

وداعًا، أيها الكيان القادم من المستقبل،

ربما، في ذات يوم، تسكن فينا أكثر مما نسكن فيك.

 

 

 


مشاهدات 87
أضيف 2025/07/12 - 1:14 AM
آخر تحديث 2025/07/12 - 3:53 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 514 الشهر 7331 الكلي 11160943
الوقت الآن
السبت 2025/7/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير