الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المدن تولد على الورق

بواسطة azzaman

المدن تولد على الورق

سيف الحمداني

 

بين حديث طموح عن “ستين مدينة جديدة” تنتشر على خارطة العراق، وأرقام لا تزال حبيسة الجدل السياسي، يعيش العراقيون مفارقة صارخة بين التخطيط العمراني المتسارع وتعطّل الإقرار المالي المتعثر.ففي الوقت الذي يؤكد فيه رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني إحالة 6 مدن جديدة إلى التنفيذ، و3 قيد الإحالة، لم ترَ موازنة 2025 النور بعد، رغم أننا قد اجتزنا منتصف العام.السوداني شدد خلال ترؤسه اجتماعًا لهيأة المدن الجديدة على ضرورة المعالجات الجذرية لأزمة السكن، وتجاوز عقبات التسجيل العقاري، وملكية الأراضي، وشبكات البنى التحتية، مع دعوة واضحة إلى تحويل الخطط إلى أرقام في الموازنة... لكن: عن أي موازنة نتحدث؟

لقد مضى نصف عام كامل والحكومة ما تزال تعمل وفق قاعدة “1/12” من موازنة 2023، في وقت يُفترض فيه أن تنفَّذ موازنة ثلاثية (2023–2025) أُقرت بموجب قانون خاص. غير أن الواقع يُظهر أن السنة المالية الحالية تعيش دون جسد مالي مكتمل، بل تُسير وفق أعراف مؤقتة لا تفي بحاجات المشاريع العملاقة، ولا بتعهدات الحكومة المتزايدة.

تناقض بين الوعود والوقائع

كيف يمكن الحديث عن مدن عملاقة مثل “علي الوردي” و”الجواهري” و”ضفاف كربلاء” وربطها بشبكات خدمات ونقل وبنى تحتية، فيما لا تزال المحافظات تُكافح لتأمين ميزانيات صيانة المدارس وتعبيد الشوارع؟

إن تضخم الخطاب التنموي لا يمكن ترجمته على الأرض دون موازنات مالية رصينة، وهذا هو التحدي الذي يواجهه السوداني في سعيه لتحقيق وعوده، التي تبدو واقعية في الرؤية لكنها تصطدم بجدار السياسة والروتين.

الانتخابات تلوح.. فهل تُحرّك الموازنة؟

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العامة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، تدخل الموازنة طورًا أكثر تعقيدًا، إذ تتحول البنود المالية إلى ساحة مساومات بين الكتل، كلٌّ يسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من التخصيصات لمحافظاته أو جمهوره، ما يجعل المصادقة على موازنة متوازنة وشاملة مسألة شديدة الحساسية.

إن تأخر إقرار الموازنة لا يعود فقط لأسباب تقنية أو اقتصادية، بل هو في جوهره انعكاس مباشر لصراع سياسي مستتر، خاصة بين المركز والإقليم، وبين القوى النافذة التي ترى في الموازنة أداةً انتخابية بامتياز، أكثر منها خطة مالية لخدمة الناس.

ختامًا:

لن تولد المدن الجديدة في فراغ. تحتاج إلى طرق، وشبكات صرف صحي، ومستشفيات، ومدارس، ومحطات كهرباء. وكل ذلك يحتاج إلى موازنة.والموازنة لا تُبنى على الآمال، بل على القرار السياسي والوفاق الوطني.فإن أرادت الحكومة أن تربح ثقة الناس قبل الانتخابات، فالأولى أن تولد الموازنة قبل أن تولد المدن.

 

 


مشاهدات 39
الكاتب سيف الحمداني
أضيف 2025/07/05 - 1:43 AM
آخر تحديث 2025/07/05 - 5:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 142 الشهر 2405 الكلي 11156017
الوقت الآن
السبت 2025/7/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير