من امن العقاب أسآء العمل
علي إبراهـيم الدليمي
مشكلة الفساد المستشري في المؤسسات الرسمية هي معضلة خطيرة وكبيرة، تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين البسطاء خصوصاً، وتعيق أي تقدم نهضوي حقيقي إتجاههم.
لقد فاق(الفساد) التصور والمعقول، حيث جعل النفوس الضعيفة تستغل ذلك، بلا خوف أو تردد، وتفعل ما تشاء بغير رادع أو محاسبة قانونية.. خصوصاً عندما يكون (المال) العام (سائب)، دون رقيب أو حسيب، كل من هب ودب يقرف منه، وهنالك في المناصب الرفيعة من يكون (حزام ظهر) قوي لحمايتهم من أي إجراءآت قانونية «لا سامح الله» ضدهم!
الإثباتات لا تعد ولا تحصى، في هذا الشأن، وأكيد كل منا عنده غصة عميقة في هذا، والجميع يعرفها تفصيلياً، منذ العام 2003، وحتى الآن، دون أي إتخاذ أي قرارات قانونية بحقهم، وأشهرها (سرقة القرن)، وأخيرها وليس أخرها (جسر الزعفرانية)، وانقطاع المياه عن الأهالي، هي للأسف جزء من سلسلة طويلة من التجاوزات التي تسلط الضوء على عمق هذه الأزمة. حيث بدأ أصحاب «تناكر» الماء باستغلالهم ليبيعوا لهم الماء بأسعار باهظة جداً، ونحن في عز فصل الصيف اللاهب.. لا أعلم كيف سيكفيهم إذا كانت عوائل كبيرة، ويحتاجون إلى الطبخ والتنظيف والإستحمام وغيرها!!
تفاقم الوضع إلى هذا الحد يعود بشكل كبير إلى غياب المحاسبة القانونية الرادعة، والشعور بالإفلات من العقاب الذي يستغله ضعاف النفوس. عندما لا يكون هناك رقيب أو حسيب على المال العام، ويوجد من يوفر الحماية للمفسدين في المناصب العليا، يصبح الفساد ظاهرة يصعب السيطرة عليها.
المواطنون البسطاء وحدهم من يدفع الثمن الأكبر لهذا الفساد، سواء كان ذلك من خلال تدهور الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، أو استغلالهم من قبل المتلاعبين بالأسعار في أوقات الأزمات، كما يحدث الآن مع سكان الزعفرانية.
حل هذه المشكلة يتطلب تضافر جهود حقيقية وخطوات جريئة، (عندما تكون الرغبة صادقة وصحيحة) دون لف ودوران، ومنها: تفعيل دور الأجهزة الرقابية، يجب منحها صلاحيات كاملة ودعما لا محدودا للتحقيق في قضايا الفساد، وملاحقة المتورطين فيها بغض النظر عن مناصبهم. وتطبيق القانون بحزم، لا بد من إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب، وتطبيق أقصى العقوبات على المفسدين، ليكونوا عبرة لغيرهم. العمل بجد لاستعادة الأموال العامة التي تم نهبها، وإعادة توجيهها لخدمة المواطنين وتحسين البنية التحتية. وتعزيز زيادة الشفافية في جميع التعاملات الحكومية، وإتاحة المعلومات للعامة، مما يساهم في كشف الفساد مبكرا. وتوفير الحماية الكاملة لكل من يبلغ عن قضايا الفساد، وتشجيع المواطنين على القيام بدورهم في مكافحته.
إن محاربة الفساد هي مسؤولية جماعية، تتطلب وعيا شعبيا ومطالبة مستمرة بالإصلاح، إلى جانب إرادة سياسية حقيقية لمحاربة هذه الآفة.