مشاهدات من كردستان  - 10 

كهف انشكي .. مصيف يغفو بإطلالة خلابة على مرتفعات جبل متين

رعد أبو كلل الطائي

مصيف كهف انشكي السياحي يقع بالقرب من قرية انشكي في شمال شرق محافظة دهوك وبالتحديد بين مصيفي سرسنك وسولاف، إذ يبعد عن مصيف سرسنك بواقع 3 كم وعن مصيف سولاف 9 كم، ويُعدُ كهف انشكي  من أكبر الكهوف في كوردستان العراق، وهذا المصيف المشهور هو مقصدٌ للسياح والأصطياف ويتبع المصيف إدارياً مصيف ناحية سرسنك وتتبع سرسنك إدارياً قضاء العمادية، ويغفو مصيف انشكي على إحدى مرتفعات جبل متين، أما قرية انشكي القريبة منه والتي سُميَّ الكهف بأسمِها فإن أغلبية سكانها الذين يبلغ عددهم اكثر من 400 نسمة هم من المسيحيين الكلدان والأشوريين، وهي الأخرى تتبع إدارياً ناحية مصيف سرسنك .

وصف الكهف

منظر الكهف وموقعه من الخارج  في غاية الروعة والجمال وتحيطُ به من جوانبه مناظر خلابة مُذهلة من مرتفعات وقمم جبلية شاهقة مكسوةً بالأشجار السامقة والمثمرة كأشجار الصنوبر والجوز واللوز والرمان والتفاح والبرتقال والكروم والزيتون والحمضيات والفواكه بأنواعها، والأحراشُ والخضرةُ تحيط بالكهف من كل جانب تجذبُ وتسرُ السائحين والزائرين، وفي مقربة من الكهف في الجهة المقابلة له يوجد شلالٌ جميلٌ شُيدت فيه اماكن لراحة الزائرين، فيما يشدك منظرٌ آخر لمجاميع من الكروبات السياحية مفترشين حول مرتفعات ومنخفضات الكهف وهم في غاية الفرح وكل واحدٌ منهم يحتفل بطريقته الخاصة .وعندما تروم الدخول إلى الكهف تواجهكُ بابين كبيرين على طول فتحة دخول الكهف مفتوحان على مصرعيهما، وتدخل الكهف فترى فضاءٌ كبيرٌ وفسيحٌ، شُيدت فيه مرافق واجنحة متعددة منها أماكن لجلوس السياح، ومطعم يقدم للزائرين أشهى المأكولات الكوردية والعربية والتركية والمشاوي، وحتى السمك المسكوف حاضرٌ بين الأكلات  والمقبلات والمرطبات، ويوجد في وسط فضاء الكهف شلالٌ من الماء الطبيعي يتدفق من الجبل  ومن أعلى الكهف، ويصبُ في وسطه مشكلاً منظراً أضفى إلى المكان رونقاً وجمالاً أخاذاً ، في حين تشاهد جدران الكهف وقد زُيُنت بعشرات من الحيوانات الجبلية المحُنطة والتي تشتهرُ بها طبيعتُها الجبلية .

وخلال زيارتنا للكهف شاهدنا عشرات من الكروبات السياحية من عوائل وشباب يتدفقون إلى داخل الكهف، وراحو يشكلون دبكات جماعية كوردية وعربية وهم فرحون ومسرورون، أما الجو في داخل الكهف فهو بارد ويختلف عن الجو في خارجه إذ تنخفض الحرارة في داخل الكهف بحدود 5 إلى 7 درجات مئوية عن خارجه .وهناك طريقان رئيسيان يمكن من خلالهما الوصول إلى محافظة دهوك ثم إلى مصيف كهف انشكي :

الأول من مركز محافظة أربيل   وبأتجاه مركز محافظة دهوك  ولقد تم تشييد طريق حديث وبمواصفات عالية الدقة يبدأ من منطقة كزنه القريبة من طريق 120 متر السريع، إذ تم افتتاح طريق بطول 3 كم من كزنة بأتجاه الطريق السريع بين اربيل ودهوك والذي يبلغ طوله 166 كم وهو الآخر تم افتتاحه في ايلول من العام الماضي لتعزيز البنية التحتية، وهذا الطريق الذي يبلغ طوله 166 كم نُفذ بجودة وموصفات فنية عالية وفي زمن قياسي، والطريق السريع هذا بأتجاهين الأول للذهاب والثاني للأياب وكل إتجاه فيه أربعة  ممرات، ويوفر هذا الطريق الراحة والأمان للمواطنين سالكي الطريق، وهو يُعد ممراً دولياً يربط العراق بالجارة تركيا وسوريا من خلال منفذ فيشخابور في قضاء زاخو التابع لمحافظة دهوك، والشئ الملفتُ  للنظر إن هذا الطريق اختصر الوقت الذي يستغرق لقطع المسافة بين مركز محافظة أربيل ومركز محافظة دهوك من ساعتين إلى ساعة وعشرين دقيقة، وذلك من خلال تشييد أطول جسر في الأقليم قلل المسافة بين المحافظتين بشكل ملحوظ، وهذا الجسر الذي يبلغ طوله تسعة كيلومترات و28 متراً تم بناؤه على نهر الزاب الكبير وبلغت كلفته 43 مليار دينار وهو بممرين للذهاب والأياب ويبلغ عرض كل  ممر 15 متراً، وللتذكير في عام 2020 تم افتتاح طريق سريع مع محافظة دهوك وبطول 35 كم بين أربيل وكوبال، وهو في حدود محافظة أربيل ومكملٌ للطريق السريع 120 متر بين محافظتي أربيل ودهوك.

شبكة أنفاق ومجسرات

إن هذا الطريق الرائع قليل التعرجات الذي يربط المحافظتين، يتميز بهندسته المتناسقة ودقة تنظيمه تمثلت بضمهِ شبكة من الأنفاق والمجسرات ذوات الهندسة الإبداعية والإنارة ولوحات الدلالة والأرصفة، وحين تتجول فيه تشعر كأنك في إحدى المدن الأوربية، نعم هكذا هو الواقع وليس فيه مبالغة .وبعد وصولك إلى مركز محافظة دهوك تتجه نحو مصيف سرسنك الذي يبعد عن مركز محافظة دهوك بواقع 50 كم، وهذا الطريق تؤسرُكَ مناظره الجميلة البديعة ومرتفعاته وقمم جباله ومنحدراته وتعرجاته ووديانه العميقة التي تكسوها الغابات والاحراش الخضراء وأشجار الصنوبر والجوز واللوز والرمان والتفاح والكروم والزيتون والحمضيات والفواكه بأنواعها  وغيرها، بينما ترى من نوافذ المركبة مياه تتدفق من المرتفعات الجبلية مُشكلة أنهُرَ وجداولَ  تجري في وديانٍ طبيعتُها خلابةٌ . وعند تخوم مصيف سرسنك ترى سرسنك وهي تقع على سفوح مرتفعات جبل كاره، ويلوح أمامُكَ قصر الملك فيصل الذي شيدهُ الملك فيصل الأول لغرض الراحة والأستجمام وكان يقصده الملك وحاشيتهُ في فصل الصيف فصيفُها بارد مُعتدل الحرارة وتصل درجة الحرارة فيها ما بين 20 إلى 25 درجة مئوية، وبعد أستراحة قصيرة في أحد مقاهي مدينة سرسنك، اتجهنا إلى مبتغانا نحو مصيف كهف انشكي إذ تبلغ المسافة من سرسنك إلى مصيف كهف انشكي عشرة كيلو مترات، وبزمن قدره 11 دقيقة .

أما الطريق الثاني فهو طريق الموصل - دهوك ثم إلى مصيف كهف انشكي، وتبلغ المسافة بين المحافظتين بحدود 80 كم وتستغرق ساعة زمنية واحدة والطريق بممرين للذهاب والأياب  وتبدأ رحلتنا من حيي الضباط فالعربي من داخل الموصل مركز محافظة نينوى وبعدها القوسيات فقرية غزيل، ثم كاني شيرين حتى تصل إلى فايده التي كانت في السابق مركزاً كمركياً، وبعدها تصل إلى نقطة سيطرة بدرية التي تقع في مدخل محافظة دهوك وفيها تٌمنح إقامات الدخول إلى المحافظة وهي نقطة روتينية سهلة وتعاملهم مع السياح في غاية السلاسة والطيبة وبعد دخولك إلى مركز محافظة دهوك تسلك نفس الطريق الذي تسلكه حين تصل مركز المحافظة وأنت قادم من مركز محافظة أربيل نحو مصيف كهف انشكي السياحي .وتأسيساً على كل ما قلته انِفاً أقولُ قولي : إن هذا الكهف أستخدم سابقاً في العصور القديمة كمعبدٍ للديانة الزرادشتية ثم أصبح كنيسة للديانة اليهودية، ومن بعده أتُخذَ كنيسةً للديانة المسيحية .وفي ستينيات القرن الماضي وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي وخلال حركات الكورد المسلحة بقيادة المرحوم ملا مصطفى البارزاني مع السلطة المركزية في بغداد، أصبح الكهف مشفاً ميدانياً يُعالجُ فيهِ جرحى البيشمركة، وبعد منتصف  سبعينيات القرن الماضي أصبح الكهف معلماً ومصيفاً راقياُ .

وإن مصيف كهف انشكي ومصايف محافظة دهوك كافة تعتبر من المصايف الراقية والمشهورة يرتادها الزوار والسياح في فصول السنة كافة وتكتظ في الأعياد والمناسبات الوطني، وفي هذه المصايف السياحية تجد أجـــــــــــواء المتعة والكرم من أهِلها الطيبون الكرماء الذين يحتضنون الغرباء، ويمدونَ لهم يد العون والمساعدة، ويبدو إن جُل أهل دهوك يجيدون تكلم اللغة العربية لكونٍهم قريبين ويجاورون أهل نينوى .والأهم إنكَ في هذه المنتجعات لا تسمع ضجيجاً، ولا أزعاجاً طوال مكوثك فيها، وهــذه تُعد من أهم مظاهر الحضارة الراقية، فالحركة الفاعلة في الحياة والبناء إلى جانب نعمة الهدوء هي أهم مستلزمات الحياة الرغيدة والسعيدة، إذاً فالسياحةُ

وسيلةُ ترفيهٍ وتغييرٍ في نفسية الإنسان .