الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فيلم الوكيل.. تجسيد بصري يمزج بين الواقعية والرمزية

بواسطة azzaman

فيلم الوكيل.. تجسيد بصري يمزج بين الواقعية والرمزية

بغداد - حمدي العطار

لطالما كانت السينما مرآة تعكس قسوة الحروب وويلاتها، لكنها في الوقت نفسه تمتلك القدرة على توثيق البطولات الإنسانية التي تولد من رحم المعاناة. في هذا الإطار، يأتي الفيلم العراقي «الوكيل» كمحاولة فنية جادة لتخليد تضحيات مقاتلي الحشد الشعبي في حربهم ضد عصابات داعش، مقدّمًا رؤية بصرية مؤثرة تمزج بين الواقعية والرمزية، وتمنح المشاهد تجربة درامية تلامس الروح.

*تتمحور أفلام الحروب عادةً حول إدانة الصراع والدعوة إلى السلام، لكنها أحيانًا تصبح وسيلة لتوثيق نضال الشعوب في وجه قوى الظلام. هكذا هو الحال في فيلم «الوكيل»، من إنتاج مديرية الإعلام العامة في الحشد الشعبي، الذي يُعد تكريمًا لبطولات مقاتليه وتضحياتهم في مواجهة تنظيم داعش.الفيلم من إخراج كرار الميساني، وبطولة إياد الطائي ووسام ضياء إلى جانب نخبة من الممثلين، وقد حمل عنوانه دلالة رمزية عميقة، فـ»الوكيل» يستحضر المعنى القرآني في قوله تعالى: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، في إشارة إلى الاتكال على قوة عليا في وجه الظلم والموت. ويمكن كذلك تأويل العنوان على أن «الوكيل» هو الملاك الذي يتولى أمر الشهداء بعد استشهادهم. وفي المشهد الافتتاحي، ينقلنا الفيلم إلى جبهة القتال، حيث تتجلى إنسانية المقاتلين من خلال مكالماتهم مع أحبّتهم: عبد الله، أحد الأبطال، يحاول الاطمئنان على خطيبته المريضة، فيما ينشغل آخر بهموم دفع الإيجار لعائلة تسكن في منزله. رغم أنهم في قلب المعركة، إلا أن حنينهم للحياة وأهلهم يظل نابضًا، ما يعكس توازنهم الإنساني والوطني في آنٍ واحد.

وتتعرض قافلتهم لهجوم عنيف من داعش، وتندلع معركة شرسة يستشهد فيها بعض المقاتلين، ويُقتل العديد من الإرهابيين. يتألق عبد الله، المقاتل الغيور، في تصديه للهجوم، لكنه يُصاب في النهاية. لا تُعرض دماؤه، لكن المشاهد يدرك أنه فارق الحياة حين ينهض دون أن يراه أحد، بينما يظل هو يراهم جميعًا. يصعد عبد الله مع «الوكيل»، سائق سيارة نقل الشهداء، وتدور بينهما حوارات روحية مؤثرة. يودع رفاقه ويزور مرقد الإمام الكاظم، وكأن الفيلم يريد القول إن «الموت لا يمحو ذكرى الشهيد».إنه الخلود.

ويأخذنا الفيلم إلى مشهد الغُسل حيث يتولى الشهداء هذه المهمة، ويطلب عبد الله من «الوكيل» زيارة والدته المريضة، مؤكدًا على رغبته في الحياة والزواج من حبيبته. في حديثه لوالدته الغائبة عن الوعي، يقول بأسى ساخر إنه نقل إلى «مكان قريب وجيد كي يستطيع الزواج». وفي أكثر عباراته تأثيرًا، يصف عبد الله حاله الداخلي قائلًا: « والد خطيبتي يسألني كل مرة ليش ما صاير بيك شي تنقطع ايدك رجلك؟ ما يدري إني من الداخل متقطع

وعلى الرغم من أن مدة الفيلم (ساعة وخمس دقائق) ليست كافية لتغطية قصة متكاملة، فإنه نجح إلى حد بعيد في إيصال رسالته، مُذكّرًا المشاهد بمسلسل «عشرة وعشرون» الذي أنتجه الحشد الشعبي أيضًا، ويتناول موضوعات مشابهة حول الشهادة والحنين للحياة. غير أن الأسلوب الدرامي المستخدم في المسلسلات لا ينسحب بسهولة على الفيلم السينمائي، ما قد يضعف من تماسك السرد أحيانًا.ومع ذلك، فإن فيلم «الوكيل» حقق غايته الأساسية: إبراز حجم التضحيات التي يقدمها الحشد الشعبي كي ينعم العراق بالأمان. أما من الناحية البصرية، فقد قدّم تجربة سينمائية متطورة ذات إخراج بصري متميز، يحسب لصناعه أنهم اختاروا تقديم الشهادة من زاوية إنسانية وروحية، تتجاوز حدود الصراع المسلح. ويُعد «الوكيل» أكثر من مجرد فيلم حربي؛ إنه وثيقة بصرية تخلد أبطالًا قد رحلوا بأجسادهم، لكن أرواحهم تظل ماثلة في الذاكرة والضمير الجمعي. لقد نجح الفيلم في مزج الحس الوطني بالبعد الإنساني، وفي تقديم شهادة حية على أن الموت في سبيل الوطن لا يعني الفناء، بل بداية لحياة أخرى في ذاكرة الأحياء.

 

 

 

 


مشاهدات 38
الكاتب رياض الغريب
أضيف 2025/05/18 - 1:40 PM
آخر تحديث 2025/05/19 - 8:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 503 الشهر 23888 الكلي 11017892
الوقت الآن
الإثنين 2025/5/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير