الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المهمّة الإعلامية في المرمى

بواسطة azzaman

همسات ساخنة .. ومضات هادئة

المهمّة الإعلامية في المرمى

لويس إقليمس

 

كثيرة هي الإشكاليات السلبية التي خلقتها مختلف وسائل التواصل الاجتماعي في تقنياتها وبرامجها وتعدد استخداماتها التي أضرّت بالمجتمعات عامةً وبأفراد الأسرة خاصة ممّن أدمنوا على هذه الاستخدامات من دون رادع ولا وعي في التمييز بين الغث والسمين، وبين المفيد والضارّ. هذا من دون أن ننكر أو نتجاهل ما أصابته هذه جميعًا من نفعٍ وفائدة حين استخدامها ضمن الحدود النفعية وفي نطاق تجديد المعلومة وتطوير الذات والحصول على نصائح وخطوات مساعدة في مواجهة تطورات الحياة وتحقيق النجاحات الطيية والنظرة الإيجابية لنقل الواقع الصحيح والمساعدة في تمييزه عن المنافق وغير الواقعيّ منه. هناك بطبيعة الحال، فئاتٌ وأفرادٌ أساؤوا إلى الأسرة والمجتمع بطريقة أو بأخرى، وربّما أحيانًا بدفعٍ وتحريضٍ من أشكال الإعلام غير السويّ والتحريضيّ مدفوع الثمن في العديد من وسائله ووساطاته. بل منهم مَن استُدرجوا للدخول في خانة العصابات والجماعات غير المسؤولة أخلاقيًا وسياسيًا ومجتمعيًا وعلميًا وما إلى هذه من مفردات حياتية يومية سلبية وغير رصينة عبر أكاذيب ونشريات وتسريبات مدسوسة من أجل خلق ساحة مفتوحة للتناحر والتناقض والتنابز ونشر الغسيل، أيًّا كان شكلُه أو نوعُه من دون التدقيق في صحته ومصادره. ولعلَّ من نتائج هذه الظاهرة غير الحضارية وغير الأخلاقية الإيقاعَ بعناصر وقامات إعلامية رصينة لا لشيء إلاّ لكونها قد نشرت الحقائق كمال هي من دون رتوش ولا نفاق ولا دجل ولا مجاملة لطرفٍ دون غيره. والقارئ اللبيب والمتابع الراقي هو الفاحص الصادق والحَكَمُ في تمييز الصحيح من غيرها فيها.وبطبيعة الحال، لا بدّ من وجود ضحايا في هذه جميعًا.  

في حين أنَ وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشط في نقل الأفكار والرؤى والاتجاهات وحتى الأيديولوجيات المتناقضة مجتمعيًا تختلف هي الأخرى في أهدافها وغاياتها ووسائل نشرها وإبرازها، فهناك ما يشفي غليل السائل والباحث عن الحقيقة الصافية والمعلومة الصحيحة والغاية الفضلى من الطرح والنقل. يقابلُها ما يمكن أن يخدع المتلقّي أو المستخدم بطريقة مضللة مبهمة في تفسير الحقيقة وتقديم النصح الإيجابي، ليس لأجل الفائدة والنفع العام والخاص بل لتغيير الحقائق والتمويه عليها في أغلب الظنّ. ويمكن وصف هذه الأخيرة بناقلة الفكر الأصفر الذي يخدع المستخدم ويتركه في حيرةٍ من أمره بين مصدِّقٍ أو مكذِّبٍ، وبين مستفيدٍ أو ناقمٍ لا يجيد التمييز بين هذا وذاك. تلكم جماعةٌ يصح وصفُها بالذباب الالكتروني (وبعضهم طاب له تسميتها بالجراثيم الالكترونية) ناقل الكفر وسارق الحقيقة ومدمِّر المجتمعات والأوطان حين لا يتورّع في فرض وجهات نظرٍ لجهات تغوّلية في المجتمع ذات ضيقة أو لأجل فرض أيديولوجيا عقائدية محدودة الفكر والتبعية والرمزية. وهذه الأخيرة، إنْ هي في غالبيتها إمّا مذهبية غريبة الأطوار أوطائفية قاصرة الرؤية والفكر، وهي تعمل ما أمكنها بغاية تهجين المجتمع وعسكرة الوطن لصالح شخص أو رمزٍ وجعل هذا المجتمع أسيرًا لهذه الشخصية بشتى الطرق والوسائل كما يحصل اليوم في عراقنا المحتّلّ الأسير المسكين، لاسيّما في مسألة تقديس الأفراد والشخوص والرموز التي تدمّر المجتمعات بدلَ أن تجعلها ترسو نحو ميناء السلام والأمان والطمأنينة لغاية بلوغ أقصى درجات الحرية المفقودة سواءً في التعبير أو التشخيص أو إبداء الرأي المختلف.

في مواجهة إعلام مدفوع الثمن

بالرغم من كوني محسوبًا على غير المدمنين على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي المتجددة كل يوم وكلّ ساعة، إلاّ أنّي لا أنكرُ تصفحي بعضًا من هذه الوسائل بقصد التشوّق للمستجدّات أحيانًا، والاستفادة الشخصية في أحيانٍ أخرى أو بقصد «الحرشة» كما يُقال وتجديد أفكاري ومعلوماتي والنهل أحيانًا أخرى من بعضِ ما يعرضه وسطاء هذه الوسائل وأبطالُها وروّادُها من أفكارٍ لا تخلو من بصمات فلسفية آنيّة أو وقائعية في مضامين فلسفات الأديان والمذاهب والإتنيات والمجتمعات الصاخبة في محيطنا مثلاً. كما أحثّ الخطى في احيانٍ أخرى للبحث في بواطن الأنثروبولوجيا التي نحتاج جميعًا للتعمّق أكثر في حيثياتها وواقعيتها، في ضوء ما يعانيه بلدنا ومجتمعنا العراقي من انفلات في الأخلاق وتخلّف في العلوم وتراجع في التحضّر والقيم المجتمعية عامةً وفي إدارة البلاد من قبل منظومة سياسية فاشلة لا تقلُّ وصفًا بكونها شكلاً من أشكال عصابات أو مافيات الفساد والنهب واللصوصية واستباحة المال العام بحجة كون المال العام مباحًا وليس له أصحاب بموجب أيديولوجية عقائدية مذهبية غير متزنة وطارئة دعمتها وما تزالُ تدعمها الجهات الغازية ومجموعة الدول الغربية الطامعة التي أتت بها إلى الحكم عرَضيًا، وذلك تشفيًا من حُكمِ غريمها المذهبي الآخر الذي حكم بأيديولوجيته الحزبية والعشائرية هو الآخر لسنواتٍ ماضيات.

وهذا ما يعكّرُ صفوَ حياة غالبية الشعب العراقي الأسير لسياسة هذه المنظومة السياسية المحاصصاتية المقيتة والمنافقة في آنٍ معًا، والتي غدرت بطموحات الشعب الذي عانى ما عاناه من ظلم المراحل السياسية السابقة ما بعد الملَكية في البلاد، وكان يأملُ بتغيير الأحوال والمآل نحو الأفضل. لكنّ غدر الغازي ومَن في صفّه من أمم ودول الغرب الطامع المنافق هو الآخر، التي قلبت مجمل هذه الطموحات الوطنية وأحالَتها سرابًا بائسًا وهباءً منثورًا قد كشف الكثير من الأسرار التي حملها هذا المحتلّ الأرعن وأعوانُه وذيولُه عبر ممارسات أسبغوا عليها هالة القدسية الأيديولوجية الطارئة ما بعد الغزو. ولا شكَّ في أنّ الإعلام المأجور يستخدم بعض الثغرات في التأثير على الرأي العام أو يستغلُّها لصالح أطرافٍ مغرضة بقصد الحصول على منافع ومغانم ومكاسب سياسية كانت أم طائفية أو مذهبية أم فئوية ضيقة لا تصلح خبزًا حلالاً للعامّة من المواطنين الحقيقيين الأصلاء في البلاد.

للأسف، لغاية اليوم مازال الغازي الأمريكي ومَن ارتهنَه راعيًا للسيادة على البلاد وساطيًا على مقدّراتها المالية وخزائنها المفتوحة له بلا رحمة بالتنسيق مع الذيول والأعوان، مازالَ سائرًا في مشوار سياسته الرعناء من دون أن يرفَّ له جفنُ التراجع عن سياسته الخاطئة البغضاء والحاقدة على تاريخ بلاد الرافدين وشعب العراق الذي ذاق الذلّ ومرارة الحياة بعد السقوط أكثر من سابق سنوات الدكتاتورية في وسائل الاستغلال البشع للثروات والأموال والمناصب لصالح أحزاب السلطة وزعاماتها الفاسدة من دون استثناء. فهو لا يهمُّه كما يبدو راحة المواطن الرافديني الأصيل ولا سلامُه ولا مستقبلُه المفقود منذ عقود وسنوات. والدليل على هذا كلّه، استفحال ظاهرة الفساد في كلّ مرافق الحياة منذ سقوط النظام السابق من دون اتخاذ ما يوجب إيقاف هذه الآفة التي نخرت عقل المجتمع وضميرَه وسلوكَه بأسره وحاصرت الضمائر في زاوية جواز تحليل المحرّم وإباحة السحت الحرام. ومن المؤسف أن مثل هذا كلّه يحصل ويجري أمام أنظار القضاء المتورّط مثل ساسة البلاد في الطمطمة والسكوت والتنصّل عمّا يجري من تجاوزات وأخطاء وجرائم كرامةً لهذا الطرف أو ذاك، أو خشيةً من خفايا عالقة اتقاءً لشرٍّ أو تهديد أو خلق مخاصمة غير محسوبة النتائج. وبذلك، وبموجب أيديولوجية البعض من أنصار مرتادي الفساد بأيّ ثمن والباحثين عن الحرام، أضحى النزيهُ صفةً شاذة فيما الفاسد والسارقُ والناهبُ والمرتشي والقاتلُ صار يتباهى بما يجنيه من ثروات ومكاسب ومنافع غير مشروعة والتفاخر بتكديس الأموال في حسابات بنكية واسغلال ما يفيض عنها في شراء عقارات والمتاجرة بالممنوعات واستعراض آخر موديلات السيارات والمركبات وما سواها من مباهج الحياة من متعٍ ونساءٍ وقيانٍ على الأرض استعدادًا لإدامة هذه النعمة مع الحوريات الموعودة في العالم الآخر. وهذا أيضًا قد دخل ضمن ممارسات نفاقية دنيئة غير راشدة. ومن المؤسف أنَّ بعضَ هذا وذاك يحصلُ أحيانًا بتغطية دينية ومذهبية ذات ايديولوجيا طائفية ضيقة وقاصرة.

هنا يأتي دور الإعلام الوطني الحرّ ومثقفي الوطن والمجتمع في فرز الغثّ من السمين، والتنبيه والتوجيه نحو الصحيح المشروع فيها والتحذير من المشبوه المبطَّن منها بوسائل ورسائل رسمية، تكون أحيانًا مدفوعة الثمن دعمًا للمنظومة القائمة وشخوصها ورموزها وأبطالها في المرحلة الراهنة. ولعلَّ الأخطر في هذه المرحلة مساعي جهاتٍ متنفذة في الدولة لكمّ الأفواه وتوجيه الاتهامات وإصدار توجيهات أو تحذيرات أو قرارات تقف بالضدّ من أطرافٍ إعلامية وطنية معتدلة إيجابية وصريحة تحمل في مكنوناتها وضمائرها وعلى أكفّها مصيرَ الوطن ومستقبل البلاد وليس مصالح الحاكم والمتنفّذ ومَن ارتآى لنفسه صورةً مقدسةً فارغة غير قابلة النقد والمعارضة.

 

 


مشاهدات 30
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2025/05/13 - 2:45 PM
آخر تحديث 2025/05/14 - 5:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 325 الشهر 16938 الكلي 11010942
الوقت الآن
الأربعاء 2025/5/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير