أوهام الرمز
عدنان سمير دهيرب
لا يظهر الرمز في الأقوام و الشعوب دون تحقيق البطولة و التضحية و التخلي عن الملكية , و الشغف بما يؤمن من افكار و مبادئ لتحدي الخطوب , ذلك الايمان المقترن بالشجاعة و نكران الذات بهدف التغيير و الارتقاء بالمجتمع . فهي غايات نبيلة من أجل الانسان و المصلحة العامة يسعى اليها الرمز أو البطل الذي تنقش أعماله في مدونات التاريخ و تتداولها الأجيال كالأسطورة تنسج في المخيال الجمعي و يتطلع الأفراد الى التماثل مع تلك الشخصية .
و بسبب الخوف و عدم إمتلاك الجرأة التي ترافق التفكير قبل الإقدام , إضافة الى القناعة بالاستقرار و الشعور بالأمان و تسلل الكسل و الحفاظ على الممتلكات المادية , يظل الأفراد و الجماعات ترنو الى الرمز بوصفه بطلاً و مثالاً أزاح الخوف و تقبل العذابات و المعاناة قبال ما يؤمن و تمسك بالفضيلة و المبادئ التي تنقذ البشرية من دوافع الانانية و الكراهية و الجشع و الاستغلال و نحو ذلك .
إن شخصيات مثل الانبيات و المصلحين و المفكرين و الأبطال كالإمام علي (ع) وغيلان الدمشقي و بوذا و فلاسفة عصر التنوير و غيفارا و غيرهم كانوا رموزاً لإنقاذ شعوبهم و الانسانية برسم علامات خالدة . لان صناعة الرمز لم تأتِ من عدم و إنما خلاصة تجربة و إشارة لإحداث و وقائع تترسخ في الذاكرة الجمعية و تحقق و جودها في ثقافة المجتمع , لتغدوا ضمن معاني تحمل مشتركات بين الماضي و الحاضر و المستقبل .
انظمة سياسية
ونرى إن الانظمة السياسية في التاريخ المعاصر تضج (بالرموز) الماهرة في إستخدام كل الوسائل للوصول الى السلطة و التمسك بها سواء بالعنف أو التضليل و في أحايين كثيرة يستخدم كل الوسائل معاً و حسب الظروف الموضوعية ليؤكد فطنته القائمة على المخاتلة والخداع بالخطابات و الشعارات الفارغة و الدعايات الكاذبة التي يطلقها بمساندة أدواته الأعلامية و أذرعه من الانتهازيين و المنافقين للتأثير و إستمالة فئات مختلفة من الشعب الذي يتسرب اليه الخنوع و الطاعة المختارة , ليظل يكابد التحديات و الخوف للحفاظ على ما يملك من الحاجات الاساسية المتوفرة لديه و غيرها كالوظيفة و العمل , ذلك الخوف الذي يكبل حرية التعبير عن الرأي , و يجعله ينتظر فعاليات الرفض التي يطلقها أو ينفذها الآخر و نتائج تضحياته . و هي طريقة يسيرة للهروب من تحمل المسؤولية و مشكلات الواقع , تكشف عن العجز في المشاركة . بمعى أن يترك حل المعضلات على عاتق الآخرين , لأن حلها يتطلب جهوداً و صعوبات و معاناة لا قدرة له على تحملها . و هي شكل من أشكال اللامبالاة التي تؤدي بعد حين الى تفاقم المشكلات و اللا إستقرار .
إن هؤلاء الرموز الذي سوقتهم وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي مدفوعة الثمن من المال المنهوب , لم يكونوا أبطالاً و إنما إنتاج البروباغندا و الظروف الملتبسة , و جمهور يعيش الوهم و يبحث عن منقذ .
وإنهم رجال لا يختلف أحدهم عن الآخر في التفكير و الأهداف و إن إختلفوا في الزي أو الشكل و الخطاب , يشتغلون في الدولة أو الحزب أو المؤسسات التقليدية لتوظيف آيديولوجية تحقق غايات دنيوية كالسلطة و المال و المجد الشخصي بعد التلفع بأغطية شتى , و اللهاث في إستدعاء الابطال من جوف التاريخ لإسقاطهم على ذواتهم التي لا ترتقي الى فعل البطولة التي ترسخت بالتواتر في الذاكرة حول رموز حقيقيين لتزيح العتمة و تضئ فضاءات الانسانية .
لذلك فأن البروباغندا و الشعارات المغلفة بكلمات تثير العواطف و تطلعات الانسان الازلية و تسقط عند أول تحدي من الجمهور أو حدوث الأزمات . لا تصنع رمزاً و لاتنتج مجتمعاً سعيداً و لا تبعث على التغيير فقط ترتدي قناع التفاؤل المزيف .
وإن الوعي بايقاظ العقول ، وحرية التفكير النقدي و التعبير عن الرأي , و الجرأة و دينامية المجتمع لإطلاق الطاقات , عوامل تفضي الى التقدم و إزاحة الجهل و الظلام لكبح تطلعات (الرمز) قبل الانتهاء الى الاستبداد .