قرارات ترامب الكمركية وتأثيرها على الإقتصاد
رائد الهاشمي
تشكل السياسة التجارية لإدارة ترامب امتدادًا لفلسفة الحمائية الاقتصادية التي تبلورت بعد الأزمة المالية العالمية 2008 وجاء القرار الأخير برفع سقف التعريفات الكمركية ليس حدثًا معزولًا، بل هو جزء من سلسلة إجراءات بدأت بانسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) وإعادة التفاوض على اتفاقية نافتا, وستكون لهذه القرارات تأثيراً واضحاً على العراق واقتصاده ولفهم هذا التأثير يجب تحليل ثلاث قنوات رئيسية:
تأثيرات سلسلة التوريد العالمية على العراق (قناة التجارة المباشرة):
يعتمد العراق على الواردات بنسبة 80بالمئة من احتياجاته الاستهلاكية، وفقًا لبيانات البنك الدولي 2023. التركيبة الجغرافية للواردات تظهربان حصة الصين منها هو 28بالمئة من إجمالي الواردات (أجهزة إلكترونية، معدات صناعية) وحصة تركيا منها هو 19بالمئة (مواد بناء، منتجات غذائية) وتبلغ حصة إيران 15بالمئة (غاز، كهرباء، سلع استهلاكية).
سيكون سيناريو التأثير على التجارة العراقية متسلسلاً فمثلاً عندما تفرض رسوم كمركية على الصين سيؤدي الى ارتفاع تكاليف الإنتاج الصيني وبالنتيجة سيؤدي الى زيادة أسعار الصادرات الصينية بنسبة تتراوح من 7 الى 12 بالمئة حسب دراسة معهد بيترسون وهذا سيتحمله البلد المستورد مثل العراق.
وكذلك فأن تحول الشركات العالمية إلى مصادر بديلة مثل (فيتنام والهند) سيؤدي الى ارتفاع الطلب على منتجاتها وهذا سيؤدي الى زيادة الأسعار العالمية وستتحملها الدول المستوردة مثل العراق, وبالنتيجة النهائية فالمتوقع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك في العراق ستكون بنسبة 3-5بالمئة سنويًا.
ديناميكيات سوق النفط (القناة الثانوية الخطيرة).
اقتصاد عراقي
تشير نماذج صندوق النقد الدولي إلى أن كل 10بالمئة زيادة في الحمائية العالمية تؤدي إلى النتائج التالية:
( انخفاض النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.5بالمئة) و (تراجع الطلب على النفط بمقدار 0.8 مليون برميل يوميًا) و (انخفاض أسعار النفط العالمية بنسبة 12-15بالمئة) ولو حللنا ببساطة تاثير ذلك على الاقتصاد العراقي سيكون كل انخفاض في سعر النفط بـدولار واحد في سعر البرميل يعني خسارة العراق 1.2 مليار دولار سنويًا (حسب موازنة 2024).
أما التأثير المضاعف فسيكون تقليص الإنفاق الاستثماري بنسبة 18بالمئة وفق قاعدة المالية العامة.
3. قناة الاستثمار الأجنبي: تحليل قطاعي:
ان معظم قطاعات الاقتصاد العراقي ستتأثر بنتائج هذه القرارات ولكن الأكثر عرضة هي ثلاثة قطاعات وهي (الطاقة والاتصالات والبنية التحتية ).
ان قطاع الطاقة يعتمد على الاستثمار الأجنبي بنسبة 68بالمئة والمخاطر المحتملة نتيجة هذه القرارات سيكون انسحاب الشركات الثانوية التابعة لشركات أمريكية وهذا يعني شبه شلل في هذا القطاع.أما قطاع الاتصالات فانه يعتمد على الاستثمار الأجنبي بنسبة 45بالمئة والمخاطر المحتملة نتيجة هذه القرارات سيكون تجميد مشاريع التحديث التقني .
واخيراً فان قطاع البنية التحتية يعتمد على الاستثمار الأجنبي بنسبة 52بالمئة والمخاطر المحتملة نتيجة هذه القرارات سيكون تأجيل مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص وهذا يعني توقف أكثر من نصف المشاريع فيه.
الحلول المقترحة لمواجهة هذه القرارات ( نموذج متكامل للإصلاح):
يجب على الحكومة العراقية رسم ثلاثة استراتيجيات الأولى قصير المدى والثانية متوسطة المدى (5-10 سنوات) والثالثة طويلة المدى (5-10 سنوات).
الاستراتيجية قصيرة المدى (12-18 شهرًا):
1. إنشاء صندوق استقرار تجاري يراعي مايلي:
* تخصيص 2بالمئة من إيرادات النفط لإنشاء مخزون استراتيجي من السلع الأساسية.
* تطبيق نظام حصص استيراد ذكي (Quota System) للسلع ذات الحساسية السعرية.
2. إعادة هندسة التعريفة الجمركية العراقية وكما يلي:
* تبني نظام تصاعدي حسب نوع السلعة ( السلع الكمالية تكون تعرفتها 20-30بالمئة) أما (وسائل الإنتاج فتكون تعرفتها 5-7بالمئة) وأخيراً (المواد أولية تمنح إعفاءً جمركياً).
الاستراتيجية متوسطة المدى (3-5 سنوات):
1. مشروع إحلال الواردات الانتقائي: وذلك بتحديد عشرة سلع استراتيجية قابلة للإنتاج محليًا (مثل الأسمدة، مواد التغليف، بعض الأدوية) ويتم تقديم إعفاءات ضريبية لمدة سبعة سنوات للمستثمرين في هذه القطاعات.
2. تحالفات إقليمية بديلة: ويمكن في هذا الجانب تفعيل اتفاقية (منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى) و(الدخول في شراكة اقتصادية مع تركيا على نموذج «التصنيع مقابل الطاقة»).
3. إصلاح نظام سعر الصرف:ويكون بتبني سعر صرف مرن مُدار مع نطاق سماح (±5بالمئة) وكذلك يمكن (ربط جزء من الاحتياطي النقدي بسلة عملات تضم اليوان الصيني واليورو).
الاستراتيجية طويلة المدى (5-10 سنوات):
1. تحويل العراق إلى مركز لوجستي إقليمي: وذلك عن طريق (استثمار حوالي 12 مليار دولار في ممرات النقل البري بين الخليج وتركيا) و (تطوير موانئ الفاو الكبرى كمنطقة تجارة حرة متكاملة).
2. التحول الرقمي للقطاع التجاري: وهذا يكون عن طريق ( إنشاء منصة «تجارة العراق الإلكترونية» لربط المنتجين المحليين بالأسواق الإقليمية) و (تطبيق نظام Blockchain في التتبع الجمركي).
على الحكومة العراقية كذلك تحليل المخاطر والتحديات المحتملة واستباق الأمور في وضع حلول استباقية لذلك:
1. المخاطر السياسية: وتتلخص في أمرين هما ( احتمال فرض عقوبات ثانوية على الشركات العراقية المتعاملة مع إيران)
و (ضغوط أمريكية محتملة للانضمام إلى التحالفات التجارية الجديدة).
2. معوقات داخلية: وتتلخص بأمرين هما ( ضعف القدرة الإدارية في تطبيق النظم الجمركية المتطورة) و (مقاومة كارتلات الاستيراد للإصلاحات).
ختاماً يتطلب من الحكومة العراقية التعامل بجد وحزم مع هذا الخطر الذي يهدد الاقتصاد العراقي والتعامل مع هذه الأزمة بتبني رؤية متكاملة ترتكز على (إدارة المخاطر التجارية عبر تنويع الشركاء) و (تحفيز التحول الهيكلي في الاقتصاد) و(الاستفادة من الموقع الجيواقتصادي للعراق واستغلاله بشكل أمثل) واعتبار ان هذه الأزمة هي فرصة تاريخية وتحويلها من أزمة إلى حافز للإصلاح الهيكلي، مع ضرورة إشراف مباشر من مكتب رئيس الوزراء على ملف الإصلاح التجاري، وتشكيل مجلس اقتصادي وطني يضم القطاع الخاص والأكاديميين والخبراء الدوليين لإنقاذ الاقتصاد العراقي من مخاطر كبيرة محتملة.