لقاءات الغربة.. ضجر ومتعة
نزار محمود
في بلاد الغربة نجتمع، نحن أبناء المنحدر الواحد، مع بعضنا بين الفينة والأخرى. نحتاج أن نلتقي لاشباع حاجات إنسانية نشأنا معها، وما زالت تربطنا الأحلام والآمال وعلاقات الأهل والقربى والثقافة الواحدة. نحن بشر نحتاج ان نعبر عن أحاسيسنا ومشاعرنا، وأن نتبادل الرأي والمزاح والمتعة، الغث منها والسمين. ندندن باغنية قديمة ونتذكر شعر فلان ومشهودة علان. نلعب النرد أحياناً في المقاهي، ونجتمع على مائدة أكل شعبية، نلتقي في مناسبات أحزان وفي مناسبات أفراح.
وبالطبع، وبسبب ظروف الغربة، فقد تغيرت في دواخلنا أشياء لم ننتبه اليها، وبسبب دافع الشوق الى اللقاء تجاهلناها. لقد تأثرت الى هذا الحد أو ذاك نظرتنا للحياة في معناها وقيمها وثقافتها. كما أن رؤيتنا لما هو قادم فيها قد اختلف عما نعيشه في اوطاننا. لم تعد تلك الحميمية الأسرية تضبط سلوكياتنا، ولم يعد ابناؤنا، كما نحن نشأنا عليه في بلداننا. علينا الاعتراف والاقرار بذلك لسببين على الأقل: الأول، لأننا جيل آخر، والثاني لأننا لا نعيش ثقافة مجتمعاتنا التي تربينا في كنفها.
في مجتمعات المغتربين ولقاءآتهم يجتمع نفر مختلفين، في العادة، في مشاربهم المهنية والثقافية والسياسية. يدفعهم شوق اللقاء وحاجاته الإنسانية الى غض البصر عن هذه الاختلافات، التي سرعان ما تطفو بين الحين والآخر.
نداري الأمر بطرق مختلفة، منها:
-الغياب عن بعض اللقاءآت أو حتى مقاطعتها لفترات تطول أو تقصر.
-نقاشات قد تشتد حدتها أو تنتهي، أحياناً، الى بعض الزعل
-الهروب الى لعبة نرد أو ورق، أو الاستماع الى أغاني قديمة، أو الخوض في الحديث عن تحضير وجبات طعام شهية.
-غالبيتنا أصبح من هواة ومحللي لعبة كرة القدم ومتابعي دورياتها.
اجلس متأملاً في معنى حياتي كمغترب، وأطرح على نفسي تساؤلات كثيرة:
هل أعيش حالة سياحة طويلة؟
هل تصح عودتي الى وطني؟ وماذا عن أطفالي الذين ولدوا وتربوا في بلد غربتي؟
هل اعتقد أن بلدي هو ذاك الفردوس الذي أحن وأشتاق اليه؟
أعود الى نفسي وأقول لها زاجراً: احمدي نعمة ما أنت عليه، وكفي ولولة وتذمراً!! وافعلي ما أنت قادرة عليه، وآمني بقدر الله وحكمته. من يمنعك أن تنظفي البيت وتتعلمين الطبخ ومسح الأواني، وأن تقرأي وتكتبي ما شئت؟!
هممت أن أتناول حبة الضغط، لكني تذكرت أنني قد تناولتها!