قرن على إنعقاد المجلس التأسيسي العراقي

عادل حسن دفار

كان شهر آذار  من عام 1924 شهراً مميزاً حيث صدرت الارادة الملكية بافتتاح المجلس التأسيسي ليكون مهماته اقرار المسائل الثلاث الجوهرية: دستور» القانون الاساسي» للمملكة العراقية. يؤمن حقوق الافراد والجماعات وتثبيت سياستها الداخلية. وقانون انتخاب مجلس النواب. الذي يجتمع لينوب عن الامة، ويراقب سياسة الحكومة واعمالها. واخيراً تصديقه على المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922. لأن المعاهدة لا تعتبر نافذة المفعول ما لم يقرها المجلس التأسيسي. وعينت العلاقات الانتدابية بين العراق وبريطانيا.

وَلَد المجلس التأسيسي بعد مخاض صعب  بسبب سريان روح المقاطعة الشعبية والدينية للانتخاب بين ابناء الشعب، والمعارضة السياسية خاصة ضد المعاهدة العراقية – البريطانية لعام 1922التي كانت تبحث عن الاستقلال الناجز للعراق من نظام الانتداب البريطاني سيئ الصيت. فقد اجريت انتخابات المجلس  على مرحلتين وفي عهد حكومتين: المرحلة الأولى في 24 تشرين الأول 1922  في عهد حكومة عبدالرحمن النقيب (1841-1927) الثالثة. والمرحلة الثانية في 25 شباط  1924 في عهد حكومة  جعفر العسكري(1885-1936) الأولى. 

واطلق تسمية (مندوبون) على  اعضاء المجلس التأسيسي، وكان عددهم (100) مندوب. اما تركيب المجلس الاجتماعية فكانت نصف الاعضاء من شيوخ العشائر وملاك الاراضي، و(21) وجيهاً وتاجراً ، وثمانية وزراء سابقين وثمانية محامين  وخمسة موظفون ولكل من الاطباء ورجال دين اربع مندوبين . اما التركيبة السياسية للمجلس: المستقلون (64) مندوب. وللحزب الحر (13) مندوب. وللجمعية العهد (12) مندوب. وللحزب الوطني تسعة مندوبين ولكل من جمعية النهضة الاسلامية وحزب النهضة الاسلامية مندوب واحد فقط.

وعقدت أول جلسة للمجلس التأسيسي في 27 آذار 1924. وانتخب الساسة العراقيون المعروفين: عبدالمحسن السعدون (1879-1929) رئيساً للمجلس. وياسين الهاشمي (1882-1937) وداود الحيدري (1886-1965) نائبين للرئيس. وعقد المجلس (49) جلسة ، بدأ من 27 آذار 1924 لغاية 2 آب 1924.

كانت النقطة الرئيسة في نقاشات المجلس التأسيسي لمعاهدة العراقية- البريطانية لعام 1922 حيث كانت هناك معارضة سياسية وشعبية لمعاهدة، وتطلب تلك المعارضة بتعديل المعاهدة تعديلاً يتفق مع استقلال العراق وتحقيق الاماني الوطنية، وأثرت تلك المعارضة في اجتماعات المجلس التأسيسي وانقلب كثير من اعضائه يطالبون بتعديلها قبل المصادقة. وطلبوا تأجيل البت بالمعاهدة بعد انتهاء مسألة الموصل. ويؤخذ ضمان عن مدافعة حقوق العراق في ولاية الموصل جميعها.

مجلس تأسيسي

رفضت السلطة البريطانية المحتلة اجراء التعديل على المعاهدة قبل مصادقة المجلس التأسيسي عليها، وانذرت بريطانيا الملك فيصل الأول(1883-1933) وحكومته من تداعيات عدم المصادقة منها عدم وقوف بريطانيا مع العراق في مطالبة الحكومة التركية بالموصل اما عصبة الامم (1920-1946). وان المصادقة يقوي المذاكرت البريطانية في مسألة الموصل. كما طلب المندوب السامي البريطاني هنري دوبس(1871-1934) الملك فيصل بحل المجلس التأسيسي. مما شكل تهديداً مباشراً لكيان الدولة العراقية المعاصرة، و وَأَدَ لحياة الدستورية المرتقبة من الطبقة السياسية الحاكمة آنذاك. 

مما حذا بالملك فيصل بخطاب المندوبين في 9 حزيران 1924 بقوله الشهير « أنا لا اقول لكم اقبلوا المعاهدة أو ارفضوها، وإنما أقول لكم اعملوا ما ترونه الانفع لمصلحة البلاد، فإن اردتم رفضها، فلا تتركوا فيصلاً معلقاً بين السماء والأرض»، اما الضغط والتهديد البريطاني فما كان من المجلس التأسيس إلا ان يعقد جلسة استثنائية استمرت الى ما بعد منتصف ليلة  10 حزيران 1924 للتصديق على المعاهدة، وحضر الجلسة (69) مندوب، فوافق على المعاهدة (37) مندوب، وعارضها (24) ، وامتنع عن التصويت ثمانية مندوبين. وعم الرفض الشعبي والسياسي العام على نتيجة قبول المجلس التأسيسي للمعاهدة.

مجلس نيابي

وأقرَ المجلس التأسيسي الدستور (القانون الاساسي العراقي) المملكة في 10 تموز 1924. وقانون انتخاب النواب في 2 آب 1924.  وبذلك خطا العراق بعد تأسيس المملكة  في 23 آب عام 1921، نحو الحياة النيابية  ذات المجلسين (المجلس النيابي، مجلس الاعيان). والذي سمي بمجلس الأمة، فكان بذلك نسخة من نظام الحكم البريطاني. 

وحيث اصبح نظام الحكم في العراق ملكي دستوري يكون فيه الملك مصون غير مسؤول وتكون السلطة التنفيذية مسؤولة امام المجلس النيابي. ومن الانجازات الهامة لاقرار النظام الدستوري في العراق دخوله عصبة الامم عام 1933 فكان بذلك أول دولة عربية تدخل تلك المنظمة الدولية دولةً مستقلة. واستمر العمل بالقانون الاساسي العراقي واجراء الانتخابات العامة حتى انهاء الحكم الملكي في صبيحة 14 تموز 1958.