عز الدين القسّام رجل التصوّف القادري في فلسطين
نوري جاسم
محمد بن عز الدين بن عبد القادر مصطفى القسام ( 1300هـ/1883م - 1354هـ/1935م ) ولد بسوريا بمدينة جبلة، لبيت صوفي قادري، إذ وصل جده الذي اعتُبِر أحد أعلام الطريقة القادرية في عصره، إلى سوريا قادمًا من العراق، وفي جبلة دُفن الجد، ليتحول قبره إلى مزار لأبناء القادرية بسوريا والعراق. تلقى القسّام تعليمه في طفولته على يد والده، ولمس والده حب الابن للعلم، فأرسله إلى مصر للالتحاق بالأزهر الشريف عام ( 1896 م ) وفي القاهرة قضى القسّام فترة تتراوح بين 7 و10 سنوات للدراسة في الازهر،، وجاء في زمن شغل فيه الإمام محمد عبده مشيخة الأزهر، وتأثّر الوافد القادري بالأجواء الأزهرية، إذ كانت مصر والأزهر وقتها ممتلئين بتيارات فكرية لها مواقف من الاحتلال الإنجليزي، وفي كتاب «الأعلام الشرقية في المائة الرابعة الهجرية» لصاحبه زكي محمد مجاهد، دوّن سيرة عزالدين القسّام؛ إذ قال إنه عقب عودته من مصر عمل بزاوية والده في التدريس والوعظ، إلى أن توفى والده وناب عنه في الإرشاد الصوفي، حتى لقبه مجاهد في كتابه بـ«شيخ الزاوية في جبلة» وعمل القسّام على تقوية العلاقات مع أبناء الطرق الصوفية بالمنطقة العربية، فكانت علاقته بأبناء الطرق الصوفية في بالجزائر، وتونس، والمغرب، ومن مظاهر تصوفه أنه انفرد بتنظيم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بمدينة حيفا، إذ كانت له الاستباقية في إقامة الزينات في الأحتفال متعاملًا مع مولد الرسول سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كعيد، وفي المولد النبوي الشريف تقوم مجموعات الإنشاد الصوفي والشعراء في مدح النبي سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان يرى أن السامعين لها مثابون، ويحث على التأسي بسير الصالحين، والاقتداء بهم، ولم تتوقف حدود تصوفه عند ذلك، إذ طالت الروايات الصوفية سبب تسمية عائلته بـ«القسّام»، وفي ذلك يُقال إن جده كان من الأولياء، وكان يعيش بقرية ظهرت بها أفعى كبيرة أرعبت ألناس، فما كان للجد إلا أن خرج عليها وصرخ فيها بصوت عالٍ، وبإذن الله تعالى قسمت إلى نصفين، فسمي بـ«القسّام».
مقاومة الاحتلال
وترجع الروايات عن حياة الرجل الصوفي القادري، دوره في مقاومة الاحتلال بكل أنواعه داخل المنطقة العربية إلى فترة نشأته بمصر، ونتاج كل ذلك تبنى القسّام فكرًا مقاومًا، وكانت بدايته من محاصرة إيطاليا للسواحل الليبية في (1911م ) وكان القسّام في ذلك الوقت في سوريا فخرج في مظاهرات رافضة للتحرك الإيطالي، ثم أطلق حملة تطوع للقتال في ليبيا وانتقى بها 250 فردًا، إلى جانب جمعه لتبرعات تؤمن حياة أسر المتطوعين، وفي هذه الأثناء تواصل القسّام مع السلطات العثمانية لتوفر لهم وسيلة للانتقال إلى ليبيا، فطالبتهم بالوصول إلى الإسكندرية، ومن هناك سيجدون سفينة تنقلهم إلى طرابلس في الغرب الليبي، إلا أن ما حدث أن القسّام وصل هو ورجاله إلى الإسكندرية ومكثوا بها 40 يومًا إلى أن أخبرتهم الدولة العثمانية للعودة إلى بلدتهم، فكانت العودة وهناك وجّه القسّام أموال التبرعات إلى تعليم الأطفال، وهو ما اعتبره البعض وعيًا منه بأن المقاومة تكون بالتعليم إلى جانب السلاح، ومن المحطة الليبية إلى السورية كانت خطوات القسّام، إذ كان أول من دعا إلى مقاومة الاحتلال الفرنسي، وعمل لمدة عام على إعداد الفلاحيين ليصبحوا مقاتلين صالحين لحمل السلاح، وفي عام (1921 م ) انتقل إلى فلسطين، ومنذ وصوله حتى استشهاده في عام ( 1935 م ) كان أحد أبرز الأسماء التي ساهمت في تجديد دماء المقاومة الفلسطينية، وعلى مدار وجوده في فلسطين عمل على تربية جيل أكمل بعده ما بدأه، إذ ينسب له إنه مهد لثورة ابريل ( 1936م ) التي اندلعت عقب استشهاده بشهور، إثر حصار القوات الإنجليزية لمجموعته، ولا يمكن فصل دور القسّام المقاوم للاستعمار بأشكاله عن دور صوفي كبير بذلته الطرق الصوفية في سبيل تحرير بلدانها، فمن العراق الى المغرب والجزائر وتونس إلى سوريا وفلسطين ومصر. والسودان ، قدمت الطرق الصوفية شخصيات وحركات واجهت المحتل، وان دور التصوف لا يُنكر في المقاومة، وأن هذا الدور تطور كثيرا، حيث تمكن أهل الطريقة عن تطوير خطابهم ليواكب الأزمة الفلسطينية، وغير مكتفين بدورها في العمل الروحي داخل فلسطين والمنطقة العربية بشكل عام، وتعامل مع القضية الفلسطينية على انها الأساس لوجودهم، ومن ثم كان اتجاه الشباب الفلسطيني للالتحاق بصفوف الطرق الصوفية بقوة، دليل على شعبية الصوفية في فلسطين، وكان أهل التصوف بحاجة إلى
كيان أو فصيل مقاوم، إذ كان القسّام رجلاً صوفيًّا كما سبق الإشارة، لذلك استقرت آراء المقاومين على تسمية جناحها العسكري باسم القيادي الصوفي عزالدين القسّام سنة ( 1991 م ) ويفسّر ذلك بأن ثمة إجماعًا فلسطينيًّا على شخص القسّام كرجل دين واعٍ مدرك لواقعه، إذ كان له دور في شتي المجالات بداية من التدريس وتحفيظ القرآن، حتى التحرير وإشعال النزعة الوطنية، ولهذا الدور شيّع الآلاف جثمان القسّام في جنازة تحولت إلى مظاهرة هاجموا فيها الدوريات الإنجليزية، وكان لقصة استشهاده ومحاصرته ومقاومته لهذا الحصار قوة دفعت الأهالي للتفكير في الثورة ضد الكيان الغالب..