الأديب الراحل الحسن رزاق
علي إبراهـيم الدليمي
الكتابة عن إنسان بمعنى الكلمة الصحيحة، نحتاج إلى مساحة كبيرة جداً، لنوفيه حقه، فكيف إذا كان هذا (الإنسان) يحمل معها صفة (الإبداع) مع صفاته الإنسانية الكاملة؟
حقاً نعتز بهكذا (رمز) يحمل هاتين الصفتين، التي قل نظيرها اليوم "للأسف الشديد" بسب (الجاه) و(السلطة) و(التحزب).. إلخ!!
في بداية العقد الثمانيني، تعرفت وجهاً لوجه على الأديب (الحسن) رزاق إبراهيم، من خلال زياراتي المتكررة لمجلة "وعي العمال" في منطقة السنك/ شارع الرشيد، لأستلم مكأفاتي، عن نتاجاتي التي كنت أنشرها معهم، وقتذآك.. وكان هو في منصب سكرتير التحرير.
فكان أول ما يؤكد عليّ أن أذهب إلى "محاسب" المجلة لأستلم مستحقاتي، ويؤكد أن أرجع إليه بعد الإستلام، ليطمئن قلبه، والتأكيد اللازم لأن نستلم حقوقنا غير منقوصة..!!! يا الله.. ما هذا الحرص الشديد لهذا الإنسان، الذي ضرب مثلاً أخلاقياً جديراً بالوقوف أمامه ملياً، فقد أعطى فعلاً صفة الإنسانية بكامل حقوقها.. بل تتجسدت الإنسانية فيه أصلاً.وتمر السنون، وأنقطعت أنا عن النشر معهم، وعن الصحف الأخرى، إلا قليلاً، بسبب إلتحاقي "للحرب اللعينة" ولم ألتق بالحسن رزاق، ولكني كنت حريصاً جداً لمتابعة نشاطاته الصحفية والأدبية المتواصلة، هنا وهناك، وجميعها تصب لصالح بناء الإنسان العراقي الذي حطمته الحروب والحصارات والسياسات المزيفة.عندما كنت في منصب مدير قاعة (كولبنكيان) للفنون، الكائنة في الباب الشرقي، كنت واقفاً أمام الباب الخارجي لأستلذذ بمشهد الصباح البغدادي اليومي الجميل، وإذ أرى الحسن رزاق يمر من أمام القاعة، فاسرعت إليه، وتعانقنا، فادخلته القاعة وجلس في مكتبي وقدمت له الضيافة التي أكتفى منها بشرب إستكان الشاي فقط، بعدما حاولت أن أجلب له (الفطور) فرفض ذلك.. وكان ذاهباً لعمله في جريدة الزمان.
تحدثنا طويلاً، ودعاني لمواصلة (النشر) في الزمان بعدما انقطعت عنها لمدة طويلة بسبب ظروفي الخاصة، وأشاد في ما أقدمه من موضوعات ثقافية وفنية رصينة، لأنه كان مسؤول القسم الثقافي فيها، وتمر مقالاتي من بين يديه.. وواعدته خيراً في ذلك. وكان مسرور جداً جداً، عندما رأني مسؤول هذه القاعة العظيمة وعودة الحياة الفنية إليها، واعدنا الذكريات الجميلة للمعارض والندوات والنشاطات الوطنية الأخرى التي كانت تقام فيها.ولكن.. للأسف الشديد لم أعلم بان هذا اللقاء سيكون أخر لقاء يجمعنا معاً، وكانت (وصيته) لي بمواصلة الكتابة، بمثابة دعوة لأن نواصل مسيرته في.. بناء الإنسان العراقي، الذي أفنى حياته من أجله..
رحم الله "الحسن" رزاق إبراهيم.. وأسكنه فسيح جناته، والجنة مثواه الأخير.