الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق وحيداً أمام معايرة كبرى 

بواسطة azzaman

ذاكرة الظلال.. ديمقراطية الرافدين (8)

العراق وحيداً أمام معايرة كبرى 

كاظم نزار الركابي

 

لكل القصص في نهاياتها “لحظة حقيقة”. ولحظة الحقيقة للعراق أصبحت في المستقبل الذي يقرع الباب الآن وليس في الماضي الذي شرحناه.

على مدى عقدين، حمت “الديمقراطية العراقية” “قبة زجاجية”. على مدى أكثر من عشرين سنة  كانت هناك “أيادٍ” تعمل كمصدات للصدمات تحت سقف القبة (الاحتلال أولاً، ثم الاتفاقية الستراتيجية، ولاحقًا بعثة الأمم المتحدة “يونامي”) كانت هذه الأيدي تتدخل دوما في اللحظات الأخيرة، لتجميل “العيوب البنيوية”، ومنح “الشرعية” للنظام ومنع انهياره التام.

حضانة دولية

في 31 كانون الأول 2025، تهشمت القبة، فخروج “يونامي” النهائي ليس حدثاً بروتوكولياً، وأنما هو إعلانٌ لنهاية “الحضانة الدولية”. الرسالة التي تركها المجتمع الدولي على طاولة بغداد كانت واضحة وقاسية: “انتهى وقت التدريب. اختبروا أنفسكم فأنتم بتم وحدكم.”

الهجين” تكشفه الحقيقة

اليوم، يقف “النظام السياسي للبلاد” مشوشًا أمام عناصره الأولية. أثبتت الانتخابات الأخيرة، وما تلاها من مناكفات بين أعضاء الكارتل حقيقة واحدة لا لبس فيها: لم نبنِ “ديمقراطية” ولا مارسنا الـ“ديكتاتورية” بمعنيهما الحرفيين، وانما بنينا “نظاماً” هجيناً، “رأسه” ديمقراطي (انتخابات وبرلمان)، و”جسده” إقطاعي (كارتل ومحاصصة)، يحرسه وينفذ أوامره “السركال” الفصائل المسلحة.

نجح هذا “الهجين” في “البقاء” طيلة 20 عاماً لسببين: “الريع النفطي” الذي يغذي جسده، و”الغطاء الدولي” الذي يحمي رأسه. والآن، ومع رفع الغطاء، وتذبذب أسعار النفط، يواجه هذا النظام امتحانه الوجودي الأول: “المعايرة الكبرى”.

المستقبل القريب (السنوات الأربع المقبلة) لن يكون “تكراراً” للماضي، سيكون مسرحًا لثلاث “معايرات” كبرى ستحدد مصير الدولة:

1.معايرة “الشرعية”: (النظام ضد المجتمع) الـ 60 بالمئة  الذين قاطعوا (الرفض البنيوي) ليسوا “جمهوراً غائباً”، بل هم “قنبلة موقوتة”. النظام الذي يعتمد على “شرعية الظل” (الكارتل) لم يعد قادراً على إقناعهم. إذا لم تتحول “الخدمات” (التي يراهن عليها السوداني) إلى “تنمية” حقيقية تخلق فرص عمل للشباب، فإن “الصوت المكتوم” الآن سينفجر حتمًا، فالرفض البنيوي في الشارع سيزداد ويتنامى، والمفارقة أنه لن يطلب “إصلاحاً”، وسيمضي قُدمًا إلى قلب المعادلة.

2.معايرة “القوة”: (الدولة ضد الدويلة) في غياب “الضابط” الدولي، سيتحتم على “الدولة” (الجيش والمؤسسات) أن تحسم علاقتها بـالدويلة” (السلاح الموازي) الذي يرتدي أصحابه بدلات الدولة في النهار وبزات الفصائل في الليل، صيغت التعايش هذه وصلت الى نهايتها. إما أن تبتلع الدولةُ الدويلةَ، أو تبلع الدويلةُ الدولةَ لتعلن “جمهورية الظل” رسمياً.

خيار ثالث.

3.معايرة “البقاء”: (الزمن ضد النفط) الإقتصاد راح يغادر عصر النفط. والعراق ما زال يعتاش عليه بنسبة  95 بالمئة. “طريق التنمية” ومشاريع الغاز ليست “رفاهية”، لكنها “طوق النجاة” الأخير، وإذا لم ينجح “الكارتل” في إنهاء الفساد والإتجاه صوب تنمية حقيقية و“اقتصاد راسخ” قبل تجاوز العالم التعامل به، فإن العراق سيواجه “المجاعة” حرفياً، وليس مجازاً.

بعد رحلة طويلة في “دهاليز” التحليل، نعود إلى “الولاء للوطن” الذي بدأنا به.

ذاكرة الظلال” مرضٌ طاريءٌ وليــــــــــس مزمنًا فالعراق بلد عنيد، أثـــــــــــــبت عبر آلاف الـــسنين أنه أقوى من جلاديه، وأصلب من محتليه، وأعمق من سياسييه.

المشكلة ليست في “العراق”، المشكلة في “العدسة” التي يرى بها ساسته هذا البلد. هل يرونه “وطناً” دائمًا يستحق التضحية؟ أم يرونه “محطة” لجمع الثروة قبل الرحيل؟

الساسة اليوم أمام إختبار عسير “الجرس” يُقرع الآن في العراق، وليس في أميركا.

فإما أن يصحو “عقلاء” النظام تحت شمس “الديمقراطية” ومغادرة “الظلال”. وإما أن يستمروا في “لعبة الكراسي” على سطح سفينةٍ، يتلاعب بها الـ“طوفان” بهيكلها المتآكل.

نحن، كشهود على هذه المرحلة، أدينا “أمانة” الكلمة. شرّحنا الواقع “بمبضع الجراح”، والآن، الحكم ليس لنا، ولا للكارتل، ولا للعالم. الحكم للتاريخ... وللأجيال التي لن ترحم من أضاع “فرصة” وطن كان يمكن أن يكون جنة، تحولت إلى “غرفة مظلمة”.

 


مشاهدات 52
الكاتب كاظم نزار الركابي
أضيف 2025/12/30 - 4:29 PM
آخر تحديث 2025/12/31 - 1:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 31 الشهر 22969 الكلي 13006874
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير