الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العرب في جاهلية جديدة

بواسطة azzaman

العرب في جاهلية جديدة

محمد الراوي

 

يعيش العرب اليوم في أسوأ حالاتهم، حيث يواجهون تحديات عميقة تشمل(التجزئة،الصراعات،التخلف،الجهل، غياب التنمية، الفساد، الطائفية) مقارنة بماضيهم تاهو في ظلام التحسر على الماضي،يرددون قول حافظ ابراهيم لم يبق شيء من الدنيا بايدينا  إلا بقية دمع في مآقينا كنا قلادة جيد الدهر فانفرطت وفي يمين العلا كنت رياحينا.

لقد عادت الجاهلية نفسها،ولكن بوجه جديد وباقوى مما كانت عليه. فالجاهلية لا تقتصر  على فترة معينة من الزمان عاشها الناس ثم انتهت،فهي أقرب لأن تكون حالة أجتماعية معينة ذات تصورات وسلوكيات يمارسها الناس في مجتمعاتهم،ويمكن ان توجد هذه الحالة وهذا التصور في أي زمان وفي أي مكان،بغض النظر عن مدى تقدم أو تأخر البشر وتحضرهم،لأنها الفكر اساسا،فالفكر هو الذي  يقف خلف قيام اي حضارة،هو الذي يحدد حجم القيم في  الحضارة،هو الذي يحدد حجم الفساد والانحراف،هو الذي يحدد المسار الاخلاقي للحضارة، ومدى استجابتها للمكون الإنساني للإنسان وقيم الإنسان واحتياجاته المادية والروحية، المشكلة الرئيسية في الجاهلية كانت في الفكر.لذلك كانت جاهلية العرب قبل الاسلام بسيطة تدور في مجملها حول معنى واحد محوري كما وصفه القرآن في أربع آيات»ظن الجاهلية،حكم الجاهلية،تبرج الجاهلية،حمية الجاهاية» أي اتباع الاهواء الشخصية والقبلية والميول الذاتية والطبقية، وليس بذلك المفهوم الخاطيء الذي تداركناه بشكل عام وهو ان الأمة بمجملها لا تقرأ ولا تكتب،والدليل إنها كانت امة الخطابة والبلاغة والشعر.ورغم ان الجاهلية الحديثة  قائمة على علم وبحث وتنظير،وبما تناله من اهتمام وسعة انتشار بحكم التكنلوجيا الحديثة بات لها وجود ولها القدرة في الوصول ونشر الفتنة والكاذب من الأفكار مما تحققه لها مواقع التواصل الاجتماعي وبمنطق التصنيع الاعلامي.

ان ما كان يحدث في زمن ابي جهل وابي لهب وغيرهم من رموز الجهل والضلال كالشرك وقتل الأولاد ووأد البنات خشية الفقر والعار، وأكل الربا.

جزيرة عربية

وخير من وصف حالهم سيدنا جعفر بن أبي طالب (رض)في حديثه لملك الحبشة (ايها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي  الفواحش ونقطع الارحام) موضحاً حقيية ما كانوا عليه وحالهم قبل الاسلام ديناً واجتماعياً واخلاقياً.ولكن في مقابل ذلك أتسم ذلك العصر بمقدار كبير من التنوع الديني.

كانت الحنيفية واليهودية والنصرانية واصنام لدى بعض  القبائل تتقرب بها الى الله، كانت كلها تعيش جنباً الى جنب، ولم يذكر التاريخ ان صراعاً دينياً حدث في الجزيرة العربية قبل الإسلام،وكان المجتمع الجاهلي الكافرله محاسن أيضا (أخلاق،كرم،وفاء بالعهد وصدق مشاعر، والشرف والانسانية والشجاعة وعزة نفس) لم يقتحموا على النبي بيته، لانهم كانوا يعرفون موقف المجتمع(ويقول العرب إنا تسورنا الحيطان وهتكنا ستر بنات محمد) كانوا يأنفون الكذب والأفعال الذميمة ولو على حساب مصالحهم. خوف ابو سفيان على سمعته وهو كافر أن يُكَذب النبي(فوالله لولا الحياء ان يأثروا عليّ الكذب لكذبته) ونصرة المظلوم ورد المظالم (حلف الفضول). كانوا يجيرون الضعيف ويغيثون الملهوف ولو كان من خصومهم. فرغم الحصار الذي فرضه زعماء قريش على النبي(ص) واتباعه في شعب بني طالب لم يمنع ذلك بعض رجالاتها من حمل المؤن لهم سراً حتى لا يهلكوا جوعاً.

واليوم غزة العربية المسلمة تباد ويجوع أهلها ويقتلون بايادٍ كافرة،وملايين تجتمع معهم في وحدة العرق والدين واللسان خذلوهم ولم يهبوا لنجدتهم واغاثتهم ويمنعونهم من عدوهم، فعندما لاتحرك الانظمة  ساكناً على شعب يُذبح،فاعلم إننا في مرحلة قد بلغ فيها الجهل ذروته والانحطاط قمته. لقد عاد العرب من جديد  يعيشون في جاهلية حقيقية وبصورة حديثة وعصرية أسوأ بكثيرمن جاهلية ابو جهل وجماعته. الذي تغير واختلف عن تلك بعض مظهريات وسلوكيات وتصرفات مُتطبعة بصورة حديثة،وهي في حقيقتها جاهلية عمياء ومتوحشة،سفك للدماء، هتك لحرمة البيوت على الملأ، وتفاخر بقلة الشرف والدناءة،اذا اختلفوا تراشقوا بالسب وتاليف القصص المشينة مستعينين بكل وسائل الاتصال، بما فيها وسائل الاعلام  المقروءة والمسموعة والمرئية. فحين تتسارع  الخطى نحو نشر الفواحش، وبدلاً من الرايات الحمراء، مواقع إباحية وبيوتات للدعارة بشقيها، ومشاعر مزيفة وعواطف كاذبة، وحين يختل الذوق والمنطق السليم، وتضيع القيم الانسانية واحدة بعد أخرى في ظل أنتشار القيم التي تتناقض مع القيم الإسلامية واعلاء المادة على الفكر والوجدان الإنساني وغيرها من تلك القيم، تحول الناس الى فرق متناحرة يتعصبون لشيعهم وقادتهم دون تمحيص والتمسك بالموروثات الاجتماعية الخاطئة دون وعي او سعي لتطويرها،ينطبق عليهم قول قريط بن أنيف.

معتقد ديني

(لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا) وصارت كل فرقة تحارب الأخرى بلا أي احترام لاختلاف  الاراء،بل ولا تقبل لوجود الاخر،وقد شمل هذا التعصب المعتقد الديني او المساحة الجغرافية (منطقة او بلد) أو الانتماء السياسي او الطائفي او القبلي وحتى المستوى الترفيهي.

فعندما تسيطر الخلافات في مختلف وجوهها، الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والفقهية، تلجأ هذه القوى الى حسم خلافاتها بالعنف، فكانت النتيجة ملايين الارامل واليتامى والثكالى وهروب من البلدان بحثا عن العمل والامان.

كان اهل الجاهلية وفق هذه المقاييس أكثر نخوة واسمى شعوراً من اهل العلم والتكنولوجيا الحديثة.

ان المجتمعات التي تسود فيها النزاعات، وينتشر فيها الظلم والجهل وتعاني من  الانحلال الاخلاقي والفساد،مما يزيد من حدة النزاعات ويؤدي الى تفكك النسيج الاجتمــــاعي،  لايمكن ان تكون مجتمعات متحضرة مهما تبلغ من التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي،ان هذا القياس لا يخطيء.

 في قياس مدى التقدم في الإنسان ذاته في مثل هذه المجتمعات، مجتمعات متخلفة غير متحضرة من وجهة النظر الإنسانية، وبمقياس خط التقدم الإنساني، فهي مجتمعات جاهلية حديثة...جاهلية صماء  أكلت العقول، نتيجة الجهل الفكري على الناس، مهما كان مستواهم التعليمي او مخزونهم الثقافي.

 

 

 

 

 


مشاهدات 73
الكاتب محمد الراوي
أضيف 2025/12/23 - 11:36 PM
آخر تحديث 2025/12/24 - 2:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 90 الشهر 17611 الكلي 13001516
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير