الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أضغاث في حضرة أبي الطيب

بواسطة azzaman

أضغاث في حضرة أبي الطيب

علي السوداني

 

وجاءوا على سيرته العاطرة بنبأ كذب بعد أن سخّم قلوبهم وجعل واحدهم ينظر ببركة ماء نائم فيرى وجهه فيبصق عليه . تصادى الدرويش البارحة مع أبي الطيب المتنبي الذي أتته مذمةٌ تائهة من ناقصٍ فحمد ربه وباس كفه وجهاً وقفا وحصل على شهادة الكمال . قيل له لا تغضب ولا تحزن قال ما أنا بغاضبٍ على حثالة مواخير فضلت أثاث البطن على أثاث الضمير . قيل وقالوا ونافقوا وسمسروا ووعدوا وتوعدوا وسوروه بدائرة تامة لا رازونة بها ، لكنه أبى وبقي راسخاً على حرفه الشريف الحقّ يداورها فتدور ويطبخ الحصى بالماء فيخرج منه مرقاً طيباً حلالاً زلالاً إلى يوم تسودُّ فيه جسومٌ وتبيضُّ أُخريات .

ثم عادني أبو الطيب ثانيةً بليلة انتصاف القمر فوجدني أُخيم على حزنٍ شديد . لاصقني ومسد شعري وسألني عن سر هذا الكمد الذي يكاد يأكل ما تبقى من روحك والجسد ، ولما عجزت عن الجواب وصار هو بباب نفاد الصبر والدواء قال :

 لا تحزن يا صاحبي فلقد مررتها قبلك وكانت ستطول لولا لقائي بفاتك الذي فتك بي لكنه أنجاني من حياة كانت مثل جبل على قلبٍ رهيف . قلت هل كتبتها خلاصة زبدة مركزة ؟

قال بلى والله ، ثم أنشد نائحاً نوح مظفر النواب :

بمَ التعلّلُ لا أهلٌ ولا وطنُ

ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ

وبينا كنت أهمُّ بشبك عشري فوق رأسي وجعاً ، وقف الفارس على حيله ومدَّ يده نحوي فنهضت وسرتُ صحبته المباركة حتى أيقظني الديك الملعون . صحوت ولم أقدر على النوم الآن ، وكان يرنُّ برأسي بيت شعرٍ له طالما أرقني وأذهلني والتبس عليَّ المعنى والمبنى والمقصد البائن والمنجى الغاطس بقوله العجيب المتفلسف:

الظلمُ من شيم النفوس ،

 فإن تجد ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلمُ

 


مشاهدات 28
الكاتب علي السوداني
أضيف 2025/12/23 - 3:37 PM
آخر تحديث 2025/12/24 - 2:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 91 الشهر 17612 الكلي 13001517
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير