الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التشاؤل

بواسطة azzaman

التشاؤل

محمد زكي ابراهيم

 

 كنت وما أزال كثير الإعجاب بهذا المصطلح الذي نحته الروائي العربي إميل حبيبي عنواناً لروايته الشهيرة (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل)، الذي جمع فيه بين نزعتي التشاؤم والتفاؤل، وقدم فيه حلاً معقولاً لما يعترينا نحن العرب من تناقضات، ووضع يديه على ما نعانيه في هذا العصر من مصاعب وإشكالات.

وفي روايته هذه  يصور حبيبي حال عرب الأراضي المحتلة، الذين يعانون من ازدواجية الانتماء، ويكادون يشعرون باليأس من الخلاص مما هم فيه، بسبب أوضاع البلاد العربية المتردية، لكنهم يحتفظون على الدوام بالأمل في انفراج نسبي ينقذهم من اليأس الذي يملأ نفوسهم بالحسرة.      

والحقيقة أنني كثيراً ما تخيلت أن هذه الحال ربما أصابت العراقيين أيضاً، فهم يحلمون أن يصبحوا دولة كبرى، ذات حول وطول في المنطقة، وفي ذات الوقت يشعرون بالأسى من الإخفاقات المستمرة، وربما يكونون قد وقعوا جميعاً تحت طائلة التشاؤل، بعد سنوات قليلة من الانفراج النسبي، غداة سقوط النظام السابق عام 2003.

 وسبب هذا التشاؤم هو الإخفاق المتكرر في تحقيق تنمية شاملة تطال كل أوجه الحياة في البلاد، والفشل في إيجاد بديل نوعي ومقبول للإدارة القديمة، التي كانت تحكم بالحديد والنار، وتفرض أقصى درجات الانضباط في الشارع.

والواقع أن التشاؤم ليس نزعة سلبية مطلقة، ولم يكن بأي وجه من الوجوه سيئاً أو قبيحاً، فقد كان الشعور بعدم الرضا وراء الكثير من التقدم الذي أصاب البشرية، والأصل فيه ميل العلماء إلى أن هذا الكون ليس هو الأفضل، وأن وجود الشر فيه أمر لا مفر منه.

ومن هؤلاء مفكرون كبار مثل فولتير، الأديب الفرنسي المعروف، وكان في بدء أمره متفائلاً، إلا أن زلزالاً مدمراً أصاب لشبونة وقضى فيها على حياة مئة ألف إنسان، أفقده الإيمان بالعدالة في هذا العالم، وجعله يميل إلى أن لا شيء في هذا الوجود يمكن أن يغير من هذه الحال.

وفي مقابل ذلك كان هناك علماء يعتقدون بكمال الكون، وعدم وجود ما هو أفضل منه، وأن حدوث الكوارث فيه لا يعني نهاية ما فيه من حسنات، ولهذا السبب كانوا في طليعة المتفائلين، وكان في مقدمتهم عالم الرياضيات الألماني الشهير لايبنتز.

ولم يكن أي منهم يعتقد أن التفاؤل ظاهرة إيجابية دائماً، كما أنه ليس ظاهرة سلبية، فهو بقدر ما يدفع الإنسان للمزيد من الإنتاج، ينسيه أحياناً الأضرار الجانبية له.

لكن المتفائلين قدموا إضافات جيدة لهذا العالم، ورأوا أنه يمكن أن يكون أكثر كمالاً مما نستطيع تخيله في الوقت الحاضر، وهم يعملون على الدوام من أجل تيسير سبل الحياة اليومية، ويرون أن التغلب على الشرور يأتي بالعقل والمران، وليس بالهم والحزن، فوجودها  رغم ما فيه من أذى  ضرورة لإنتاج خير أعظم في هذا الكون.

 لا بد أن ندرك أننا في هذا العالم لا نملك الحقيقة كاملة، وأن اختلاف الأفكار لا يعني احتكار المعرفة، وعلينا أن نعي أن المتفائلين والمتشائمين يؤمنون أن العمل هو الطريق السليم لتجنب الشرور، وصنع حياة أفضل.

وليس ثمة سبيل غيره للخروج من زقاق التأريخ الضيق، إلى فضاء الإنسانية الرحب الواسع. وإذا كنا نعاني في حياتنا هذه من مشكلات كثيرة، لا قبل لنا أحياناً في الخروج منها، لأسباب داخلية وخارجية، فإن بوسعنا كذلك أن نعمل على تذليل هذه المشاكل عبر صنع نموذجنا الخاص، وما وصلت إليه الدول الآسيوية من تقدم، دليل على أن بوسع الإنسان في كل مكان أن يبدع وينتج، ولا يتوقف في منتصف الطريق.

 


مشاهدات 43
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/12/10 - 3:21 PM
آخر تحديث 2025/12/12 - 7:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 222 الشهر 8567 الكلي 12792472
الوقت الآن
الجمعة 2025/12/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير