مهرجان كلاويز وإعادة الاعتبار للحقل الثقافي
عدالت عبدالله
تتجلى في معظم المجتمعات الشرق أوسطية ظاهرة مألوفة في فضاءات النشاط الإنساني والاجتماعي، وهي هيمنة السياسة على مختلف مجالات الحياة، حتى تكاد تمسك بتفاصيل التفكير والسلوك والعلاقات والسجالات الفكرية. ورغم هذا الحضور الطاغي، فإن السياسة لم تقدّم تحولاً يعيد ثقة الناس بجدواها أو بقدرتها على إنجاز المشاريع الطموحة التي يؤمن بها الساعون إلى تحديث المجتمعات وتقدّمها، ليظلّ الأمل بتحقق تلك المشاريع معلقاً بلا موعد واضح.وفي المقابل، ورغم أن حقل الثقافة يمثل مجالاً للإنتاج الرمزي ولا يمتلك سلطة تغيير الواقع المادي بشكل مباشر، فإنه يظلّ حقل التفكيك والقلق والأسئلة؛ حقل زعزعة اليقينيات وزرع التساؤلات العميقة حول أحوال الإنسان والمجتمع والعالم. ومن هنا تنبع قوته في تحرير العقول من سطوة الوقائع المفروضة، وفي حشد الطاقات المعرفية والثقافية والأدبية باتجاه إعادة تخيّل عالمٍ مختلف وحياةٍ أكثر اتساقاً مع إرادة الإنسان وممكناته.ويبرز مهرجان كلاويز الثقافي بوصفه واحداً من أهم المنابر التي تمنح الثقافة فرصة أداء هذا الدور الحيوي والإبداعي؛ فهو يساهم في إطلاق إرادات جديدة ورؤى تتجاوز ما رسخته السياسة بوصفها مجالاً للمتنفّذين. إنّ كلاويز يمثّل أفقاً فكرياً حديثاً ومخيّلة سياسية واسعة تستند إلى حب الحياة، ونبذ الحروب، والسعي نحو السلام بالمعنى الكانطي، وهو ما يجعله مشروعاً بنّاءً يستوجب دعمنا الجماعي ليواصل حضوره ويُديم عطاؤه المستنير.